لقد لقينا احتراما في مراكز الكمرك التي مررنا بها. وقد كنا نقول للموظفين بانّا من جماعة طوبجي باشي اعني قائد المدفعية في دمشق وبغداد ، وهو مسيحي من كريت ، يكن له القوم احتراما عميقا ويهابون جانبه في مختلف انحاء البلاد. كان هذا الرجل في الجيش العثماني مع شخص آخر اسمه جيوفاني البندقي ، في الحرب التي خاضها العثمانيون لاسترجاع بغداد (١) وقد عقد لهم اكليل النصر ، ويرجع الفضل الاكبر في النصر الى المدفع ، فجازى السلطان جيوفاني ، خير مجازاة ثم ميخائيل ايضا ، واقتطع لهما قرى كثيرة.
لم نذهب لمشاهدة البرج بسبب وقاحة كارلو ، ولان تلك الجهات كانت مليئة بالاعراب ، وقد هجموا قبل ايام على قافلة مرت من هناك فضربوا افرادها بقساوة ضارية وقتلوا بعضهم وكان رئيس قطاع الطرق ابن شيخ تلك المنطقة ، فاضطررنا إلى البقاء في تلك البقعة يومين بانتظار قافلة من الايرانيين العائدين من الزيارة Gezzara حيث ذهبوا للتبرك في جسد احد اوليائهم (٢).
حاول رباننا بمختلف الوسائل والحيل ، ان يبتز دراهمنا ، وكان يتمنى ان لا يترك لنا شيئا ، لولا خوفه من ميخائيل طوبجي اذ كان يعتقد انه في بغداد ، وكنا قد لمحنا اثناء حديثنا ، اننا كتبنا اليه ، بواسطة الانكليز ، نخبره باننا على متن هذه السفينة.
خرجنا من الحلة مساء فعبرنا الفرات على جسر من القوارب ، وقد امضى الغلامان ليلتهما في المدينة ، فقلقنا عليهما ، لكنهما عادا مع تباشير الصباح ، فعاودنا السفر ، وبعد نحو خمسة عشر ميلا من المدينة لاحظنا اعرابا يتجمعون ويتمركزون على مسافة ليهاجمونا. وللحال اتخذنا نحن ايضا مواقع للدفاع ، دون ان نتوقف عن السير ، بل بالعكس ، فقد اسرعنا في سيرنا ، فلما لاحظوا كثرة عددنا ، وانطلت عليهم حيلة التجأنا اليها ، وهي ، اننا وضعنا بين
__________________
(١) انظر الملحق رقم (١٢).
(٢) في النص يتكلم عن احد «انبيائهم» ، وهذا خطأ.