فقالت الظريفة : قتلته قتلك الله ، فقالت ميّ : خف عواقب الله يا غيلان ، ثم أتيت على الشعر حتى انتهيت إلى قوله :
إذا راجعتك القول ميّة أو بدا |
|
لك الوجه منها أو نضا (١) الدرع سالبه |
فيا لك من خدّ (٢) أسيل ومنطق |
|
رخيم ومن خلق تعلّل جادبه |
فقالت تلك الظريفة : ها هذه وهذا القول قد راجعتك وقد واجهتها ، فمن لك أن ينضو الدرع سالبه ، فالتفتت إليها ميّ وقالت : قاتلك الله ما أحسن ما تجيئين به ، فتحدّثنا ساعة ثم قالت الظريفة للنساء : إنّ لهذين شأنا ، فقمن بنا ، فقمن وقمت معهن ، فجلست بحيث أراهما ، فجعلت ميّة تقول له : كذبت ، فلبث طويلا ثم أتاني ومعه قارورة فيها دهن ، فقال : هذا دهن طيب أتحفتنا به ميّة ، وهذه قلادة للجؤذر ، والله لا أخرجتها من يدي أبدا ، فكان يختلف إليها حتى إذا انقضى الربيع ودعا الناس الضيف أتاني فقال : يا عصمة قد ترحّلت ميّ فلم يبق إلّا الرّبع والآثار ، فاذهب بنا ننظر إلى آثارهم ، فخرجنا حتى انتهينا فوقف وقال :
ألا فاسلمي يا دار ميّ على البلى |
|
ولا زال منهلّا بجرعائك القطر |
وإن لم تكوني غيرنا وبقفرة (٣) |
|
تجرّ بها الأذيال صيغية (٤) كدر |
فقلت له : ما بالك؟ فقال : يا عصمة إنّي لجلد ، وإن كان مني ما ترى (٥) ، فكان آخر العهد به.
والخبر على لفظ أبي عبد الله قال : وحدّثت عن ابن أبي عدي قال : سمعت ذا الرّمّة يقول : قد بلغت نصف عمر الهرم أربعين سنة.
وقال ذو الرّمّة (٦) :
على حين راهقت الثلاثين وارعوت |
|
لداتي (٧) وكاد الحلم بالجهل يرجح |
__________________
(١) نضا : ترع.
(٢) كذا بالأصل والديوان ، وفي الجليس الصالح : «جد».
(٣) في الديوان : فإن لم تكوني غير شام بقفرة.
(٤) عن الديوان والجليس الصالح ، «صيفية» وبالأصل : «ضيقة».
والأذيال : ما تجره الريح من آثار. وصيفية : رياح الصيف التي فيها غبرة.
(٥) كذا في هذه الرواية هنا وفي الجليس الصالح ، ويبدو أن فيها سقطا ، ومرّ في الرواية السابقة : قال عصمة : مما مملك عينيه ، فقلت : مه ، فانتبه ، وقال : إني لجلد ، وإن كان مني ما ترى.
(٦) الأبيات في ديوانه ص ٧٧.
(٧) لداتي جمع لدة ، يقال فلان لدة فلان إذا كان من سنه.