ولم يكن المسيو ماركي سخيفا بحيث يمكن أن يتواطأ في عملية تزييف يمكن أن تصدر من هذا الرجل العربي ، ولذلك أجد نفسي ملزما بتصديق قصته ومعتقدا بها ضمنيا. وقد كان المسيو دي ماركي حذرا في إعطاء رأي ثابت في الموضوع ، وإنما أعلن فقط عن عزمه على مراقبة حركات الرجل وخاصة خلال قيامه بإجراء تجربة أكبر من التجربة السابقة في خلال الأيام القليلة التالية. فأبديت رغبة قوية في الحضور أثناء القيام بإجرائها ، غير أن المحاولة صرف النظر عنها ، لأنها لم يكن من الممكن إجراؤها من دون المجازفة باستثارة حسد الباشا في أمر يكون شديد الحساسية فيه على الأخص. وقد علمت بعد ذلك أن المحاولة قد تمت فكان الإخفاق حليفها ، وطلب الرجل السماح له بالذهاب إلى جبال كردستان على ما أعتقد ليجمع منها بعض ما كان يحتاجه من المواد. لكن الباشا رفض أن يسمح له بمغادرة المدينة خوفا من عدم عودته بطبيعة الحال. فما أغرب هذا الخليط المتكون من الإيمان بالشيء وعدم الثقة به في الوقت نفسه!! فالباشا يؤمل ويعتقد اعتقادا جازما بنجاح محاولات هذا الرجل ، ومع ذلك فهو على تغاضيه عن نفس الأشياء التي يجب أن تفتح له عينيه وتقضي على آماله يتمسك بها برغم ما تدل عليه قدرته في التمييز والحكم على الأشياء. وقد ذهبنا ذات يوم لزيارة الكيميائي المذكور في معمله ، فكان رجلا اعتيادي المظهر ميالا إلى البدانة ، من دون أن تبدو عليه أمارات العبقرية والجرأة في الحديث. وكان عند دخولنا قد أخرج لتوه من الفرن شيئا مسخنا إلى حد البياض ، وهو جرعة لأمير المناطق الجنوبية ذات رائحة كريهة. وقد كان الرجل وقتذاك في حالة أشبه بحالة الاعتقال المبجل ، وإني أرى أنه إذا لم يعمل في الحال على اعادة شيء من مال الباشا بشكل سبائك ذهب فما عليه إلا أن ينصرف إلى البحث عن اكتشاف يجعله منيعا ضد الشنق أو الإعدام ، لأن تطاول صبر الباشا وانتظاره سيؤديان به إلى الموت إذا امتد إلى أكثر مما امتد إليه حتى الآن.
وقد أخبرنا دي ماركي بأن عدة أشخاص من مثل هذا الرجل قد أقنعتهم سلامة نية الباشا الممزوجة بالطمع إلى محاولة هذه العملية. ومن هؤلاء أناس وقعوا في الشرك الذي كانوا قد نصبوه لفخامته ، بينما نجح آخرون في غشه