ومن العجيب أن هذا الخاطر استولى على نفسى واستبد بها ، فما تناولت القلم إلا قبيل السفر بيومين اثنين وكنت قد شبعت من القراءة والمراجعة وأشبعت المعرى وأوسعته ذما ونقمة أليس هو الذى جر على هذا العناء الذى كان بى عنه غنى؟ ولماذا عدت السنون التى انقضت على وفاته بالحساب القمرى؟ ولو عدت بالحساب الشمسى لبقى على تمام الألف ثلاث وثلاثون سنة ، والله إنها لفكرة أذهب إلى القوم وأقول لهم أن إقامة المهرجان فى هذا الأوان غلط فى غلط وأن الشيخ عفا الله عنه يستقل عقلنا ويسخر منا فى قبره إذا كانت عظامه ما زالت باقية فيه ، أو فى الجنة أو فى جهنم فما أدرى ماذا صنع الله به ، وإنه لقادر على مثل هذه السخرية فإنه فى كتبه يعابث الملكين اللذين يحاسبان الميت ويسألهما أسئلة نحوية ولغوية.
وكان هذا كله منى عبثا لا خير فيه ولا طائل تحته فتركت الطائرة فلم تسقط وركب إخوانى القطار فلم يتعطل وكان أول ما أصابنى مما يسميه الأستاذ الجليل إسعاف بك النشاشيبى (٨)" العناء فى سبيل أبى العلاء" إنى فقدت" قداحتى" قبل أن أركب السيارة إلى المطار وقد يستخف الناس بهذه الخسارة وإنها لخسارة هينة أهون بما ثمنه قروش ولكنى أستحيى أن أتقدم إلى من لا أعرف وأسأله أن يعيرنى عود ثقاب أو أن أبدأ بأى كلام فما العمل؟ كان العمل إنى ظللت إلى أن بلغت الفندق فى" دمشق" أضرب يدى فى جيبى لأخذ (١) سيجارة ثم أخرجها فارغة وإنى حرمت التدخين أربع ساعات ونصف ساعة فتأمل هذه الفاتحة.