الآن. قالوا انهم سيدفعون لي ثمنها ، أما أنا فكنت أصر على أنها ليست للبيع بل لاستعمالي الخاص.
ولم يكتفوا بكل ما فعلوا بي ، بل أرغموني على دفع عشرين قرشا إضافيا لصديقهم رئيس الجمالين مدعين بأن هذه هي أوامر الشيخ ، وهو براء من ذلك ، قالوا انها اجرة الدليل الذي أراد اصطحابه من كويبدة والذي لم استأجره أنا ، ولم أتفق معه ، ولم يقدم لي أية خدمة ، لكنهم لم يصغوا إلى احتجاجي ، لا بل لم يدعوا لي مجالا للكلام ، ولو فرضنا اني كنت بحاجة إليه ، لدفعت في أكثر الاحتمالات نصف ما أرغموني على تأديته ، فقد كان معه من الأحمال أكثر مني بكثير وكلها بضائع للتجارة ... يا لها من معاملة خسيسة! خلاصة القول إنهم أرادوا تقديم خدمة لرئيس الجمالين ، فالقروش التي يبتزها مني سيضعها في جيبه ويدفع منها الاتاوات عن نفسه ... ولقد طفح الكأس عندما امتدت أيديهم إلى سيف الست معاني وخنجرها العربي المصنوع من الفضة والذهب ، فزعموا أنه يليق بالشيخ ، فانفجرت غضبا وقررت الذهاب بنفسي إلى الشيخ لأقدم له رسالة توصية كتبها باشا البصرة وأعرض عليه حالتي. فامتطيت بغلا لإبراهيم آغا الذي عاد قبيل قليل وكان غاضبا حقا من معاملة الأعراب لي ولبقية الأشخاص لا بل معه شخصيا. وقبل حلول المساء ذهبت مسرعا وقد رافقني كاتب الشيخ ورئيس الجمالين الماكر ، سبب المشاكل كلها ، لكني لم أظهر له نفوري وامتعاضي ، خوفا من سوء العاقبة ، فوصلنا إلى مواضع الخيام عند المساء.
* * *
كانت الخيام سوداء كثيرة متناثرة على الطريق ، ثم رأينا خيمة «أبي طالب» بعيدة قليلا عن خيمة أبيه الشيخ ناصر. ولا فرق بين خيام الأمراء وعامة الشعب إلا بالحجم. فكل الخيام سوداء منسوجة من شعر الماعز.
لم ندخل الخيمة إذ كانت بعض الأفرشة الصوفية مطروحة أمامها ، وهي بسيطة وملونة ، وكانت نظيفة ، وكان القوم قد جلسوا عليها ، ولم يكن الشيخ هناك عندما وصلنا ، لكنه حضر بعد قليل فنهض الجميع إكراما له ، فجلس في