من جهة أخرى ظن البعض أن بغداد هي سلوقية أو طيسفون نظرا لوجود الآثار الكثيرة في البلاد ، والقناة التي تبدأ من الفرات لتصب في دجلة عند بغداد (١) وقد توهم هؤلاء أيضا لأن سلوقية وطيسفون حسب رأيي الذي يستند على معلومات أكيدة كانتا في موضع آخر كما سأوضح ذلك عن قريب في وصف آثارهما الباقية.
يطلق الجميع ـ من عرب وأتراك وفرس ـ على المدينة اسم بغداد ، إلا الجهلة فقد دعوها بغدات وهذا خطأ واضح ؛ أما العوام في أوساطنا فقد سموها بابل كما أسلفنا.
كانت بغداد قاعدة الخلفاء. ذكرها ماركو بولو البندقي (٢) وهايتون الأرمني (٣) لكنهما شوها لفظ اسمها فقالا «بلداك» وحورها شاعرنا بترارك (٤) إلى «بلداكو».
وتقوم المدينة كما أسلفت على نهر دجلة وتقسم إلى قسمين : الأول على ضفة النهر الغربية أي من جهة بين النهرين وهو غير مسور ، أما الشطر الأكبر فيقع على ضفة النهر الشرقية ويحيط به سور.
بناء بغداد في كلا الطرفين من الطابوق القديم الجيد المشيد بدون ملاط ولكن بالطين كعادة الأتراك. لذا فعمارات المدينة ضعيفة لا تقاوم تأثيرات الزمن. وأكثر البيوت واطئة تكاد تكون بمستوى الطرقات أو أوطأ منها ، وقد عمد القوم إلى هذه الطريقة في البناء تفاديا للحر الشديد خلال فصل الصيف ، وللسبب عينه جعلوا غرف البيوت مظلمة فلم يضعوا فيها نوافذ بل اكتفوا بكوة صغيرة في كل غرفة. أما الهواء الطلق فلا يوجد إلا في الأفنية وفي غرف
__________________
(١) أظن أنه يشير إلى نهر عيسى.
(٢) سائح إيطالي (١٢٥٤ ـ ١٣٢٣) رحل إلى الشرق ووجهته الصين وقد مر بالعراق له كتاب روى فيه أخبار رحلته وهي منشورة.
(٣) لم أجد ذكرا لهذا الكاتب في المراجع المتيسرة لديّ.
(٤) شاعر إيطالي واسع الثقافة (١٣٠٤ ـ ١٣٧٤) يعد أبا الشعراء الإيطاليين.