وتوجد مسافة بقدر عرض القارب الواحد تفصل بين قارب وآخر لكن الجسر مربوط ربطا محكما بسلسلة حديد. فالجسر ثابت وفي موضعين أو ثلاثة منه توجد أقسام متحركة غايتها قطع الجسر في الليل ليتوقف العبور بين الضفتين كعمل وقائي ضد الشائعات المنتشرة عن قرب هجوم الفرس من جهة ، والأعراب من الجهة الأخرى. فكم من دواه تتمخض عنها الليالي!
أما القسم الآخر من بغداد فلا سور له (يعني الكرخ) لذا فإن قطع الجسر في الليل يؤمن لأهالي ذلك القسم الاطمئنان. وفي وسط الجسر فتحة غايتها تقسيم الجسر إلى قسمين وسحبه عند الحاجة بحيث لا يبقى له أثر ؛ وهذا ما يحدث عند هبوب العواصف الهوجاء أو عند ارتفاع منسوب المياه خوفا من انجرافه مع التيار فالفيضانات تتكرر في هذه البلاد كما تحدث في مصر. وقد شقوا بعض الترع لنقل المياه إلى الأراضي المجاورة لأن الأمطار قليلة في تلك النواحي.
يحدث الفيضان مرة واحدة في السنة في شهر آب كما في مصر (١).
وذلك لذوبان الثلوج في الجبال. هذه الفيضانات الجارفة هي في رأيي السبب المباشر الذي حال دون إقامة جسور حجرية ثابتة على نهري دجلة والفرات ، لأنها بغزارتها تغمر الجسور ، وبقوتها تجرفها أحيانا. ولهذا يكتفي القوم في بغداد وفي غيرها من المدن بهذا النوع من الجسور المتحركة.
سكان بغداد مسلمون من مختلف الميول لذا يتوجب على واليها أن يحكم باعتدال كبير. وللباشا مجموعة من العساكر من أهل البلاد يسوسها بالعقل أكثر مما بالقوة.
هناك أمور عديدة لن أكتبها الآن وسأحدثك عنها فيما بعد.
لم أجد في بغداد أبنية جديرة بالاهتمام ..
[يروي السائح في الصفحات ٣٧٤ ـ ٣٧٦ حادثا مشؤوما وهو الخلاف بين اثنين من رجاله أدى إلى مقتل أحدهما في ١١ تشرين الثاني فاستطاع
__________________
(١) كلامه غريب ، لأن الفيضان يحدث عندنا اعتياديا في آذار أو نيسان ، لكننا نقلناه كما هو.