لهذه الأسباب لم أذهب إلى بابل في تلك الأيام ، إذ كان عليّ أن أجد ما لا يقل عن مئة اعرابي لمرافقتي ، ولم يرق لي الخروج بحماية جنود انكشاريين. ثم بلغني فيما بعد أن شيئا من الهدوء قد عمّ تلك الجهات فقررت السفر.
غادرت بغداد في التاسع عشر من تشرين الثاني (١٦١٦) مصطحبا خمسة من حملة البنادق الماهرين بالرمي وهم : السيد السندري البندقي والرسام وابراهيم الحلبي مع جنديين من أتباع صديقي التركي. ورافقنا ثلاثة من الجمالين الماهرين برمي النبال من الأقواس مع مختلف أنواع الأسلحة الأخرى.
لم أشأ سلوك الطريق القصير المباشر عبر البادية بل حبا بالأمان توجهت إلى أقرب نقطة من الفرات لأسير بمحاذاته وأكون قريبا من الأماكن المأهولة فأنتقل من قرية إلى أخرى وكان معي بالإضافة إلى الجياد ثلاثة جمال لحمل الخيام والأفرشة والمؤونة ومحفة فيها سيدة نبيلة طاب لها المجيء معي ولم تبال بأخطار الطريق ولم أشأ تركها وحيدة في المدينة وسأتكلم عنها فيما بعد.
رافقنا كذلك ثلاثة من المكارين يحملون الأقواس ومختلف أنواع الأسلحة وأمضينا الليلة الأولى في قرية صديقي المسلم حيث استقبلنا رجاله.
في اليوم التالي مررنا بقرية «الرضوانية» ثم قضينا ليلتنا في قرية أخرى غير مسورة وبيوتها متناثرة لكنا كبيرة تستحق أن تسمى بلدة. جدير بالذكر أنه في البلاد التركية يطلق اسم قرية على كل المواقع التي ليست مدنا فإذا قرأت ـ يا سيدي ـ أسماء كثيرة في رسالتي فلا تعتقد بأنها كلها قرى صغيرة قليلة السكان لأن بعضها ـ في الواقع ـ واسعة مأهولة بعدد كبير من الناس وعامرة بالبضائع رغم أن بيوتها الحقيرة مشيدة باللبن وأشبه ما تكون بالأكواخ.
تعود هذه القرية الكبيرة إلى «محمود باشا» الذي تسنم ولاية بغداد مرتين (١) فانتهز الفرصة وكون لنفسه أملاكا كثيرة لذا لقبوه باسم «جيكال
__________________
(١) لونكريك : أربعة قرون ، ص ٥٣ ؛ وفي «دليل خارطة بغداد» للاستاذين د. مصطفى