عدنا إلى بغداد في الطريق المباشر عبر الصحراء إذ رأيت ليس من الفطنة أن أتنقل من مكان إلى آخر ومعي هذا العدد الكبير من الحاشية ، فأمضينا الليلة الثانية في خان يقع قرب قلعة غير مأهولة يدعى «خان النص» لأنه يقع في منتصف الطريق بين الحلة وبغداد ومن عادة العرب أن يسموا المواقع بأسماء الآبار ومنابع المياه لأهميتها وهذه عادة قديمة نرى أثرها في الكتاب المقدس.
بعد يومين من حلولنا في هذا المكان سمعنا أن شرذمة قوية من الأعراب أغارت على قافلة هناك أو بمقربة من ذلك المكان فنهبتها ومن حسن حظي ـ فضلا عن أني لم أر أحدا من هؤلاء ـ أن لقيت أحد كبار قواد بغداد كان قدم إلى هنا قبلنا بأمر من الباشا ومعه مائة فارس ونيف ليستميل شيخا ويصحبه إلى بغداد ، وهو من رؤساء العرب أو أن شئت فقل هو أمير من أمرائهم كما أظنه شخصيا كان من أصدقاء الأتراك اسمه «ناصر بن مهنا» ليرافقه إلى بغداد فيخرج مع الوالي إلى الحرب (١) وقد أكثر قائد بغداد من فرسانه مبالغة في تعظيم هذا الشيخ وهكذا سرنا مطمئنين إلى بغداد فوصلناها في ٢٧ تشرين الثاني بعد زيارة موفقة لبابل (٢) لم تدم فرحة هذه الزيارة الناجحة فقد بلغني خبر من اسطنبول عن طريق حلب مفاده أن السلطة كانت غاضبة على الإفرنج. ولم تكن الأخبار واضحة.
فمن رسالة وردتني من السفير الفرنسي في اسطنبول يفهم ان الحكومة صبت جام غضبها على الرهبان فأعدمت راهبا من الفرنسيسكان (٣) وزجت في السجن الرهبان اليسوعيين (٤) ثم خرجوا بعد ذلك سالمين بعد أن افتداهم
__________________
(١) انظر الملحق رقم ٤.
(٢) يعقوب سركيس : قشعم في التاريخ (مباحث عراقية ١ : ٩٣ ـ ٩٤) وقد أورد الباحث في مقاله هذه الفقرة الأخيرة من الرحلة.
(٣) النسبة إلى مؤسس الرهبنة فرنسيس الأسيزي (١١٨٢ ـ ١٢٢٦ م) ولا تزال هذه الرهبنة قائمة ومنتشرة في أقطار عديدة.
(٤) رهبانية أسسها القديس أغناطيوس دي لويولا سنة ١٥٤٠ لا تزال قائمة ومنتشرة في بلاد العالم.