السفير الفرنسي حسبما فهمت ، فهم تحت حمايته لأن الباليوس أي القنصل البندقي لا يهتم بهم. ويقال إن الأتراك اكتشفوا علاقة هؤلاء ببعض أمراء الغرب (١) وعلى أثر ذلك أمر السلطان أن يدفع الإفرنجة العائشين في ولاياته الجزية كما يدفعها النصارى من أهل البلاد وهذا تدبير جديد لم يعمل به أبدا من قبل لأنه يضرب عرض الحائط كل معاهدات السلام مع أصدقائه أمراء الغرب ... ولعل الاستعداد للحرب ضد الفرس والحاجة الماسة إلى المال كانا من وراء هذا التدبير ... كما يجب أن لا نغفل قلة الفطنة عند بعض الإفرنج في تصرفاتهم مع الأتراك .. لقد تأسفت جدا لما حدث لأني تركت عند اليسوعيين صندوقا فيه أوراقي الخاصة وملاحظاتي التي سجلتها في اسطنبول وهي ملاحظات ثمينة تعبت جدا في جمعها وفيها رويت مستهل رحلتي ومشاهداتي في اسطنبول ومقتل نصوح باشا وملابسات مقتله وغير ذلك (٢).
سلوقية وطيسفون
أعود إلى موضع رحلتي لأتحدث عن سفرة أخرى قمت بها في ضواحي بغداد. فقد أخبرني بعض اليهود بوجود آثار ترجع إلى عهد «نبوخذنصر» لكنهم كانوا على خطأ حسب رأيي فالآثار أحدث عهدا مما يزعمون.
في الثالث من كانون الأول (١٦١٦) سرت إلى تلك المنطقة مع أهل بيتي كافة يرافقنا رجل تركي واحد وإذ كان الموضع الذي نسعى إليه يقع على نهر دجلة إلى الجنوب من بغداد فقد ركبنا قاربا توخيا للراحة والأمان. فالسفر في البر غير أمين نظرا للاضطرابات السائدة. وبينما نحن ننحدر مع النهر رأينا
__________________
(١) هامر : تاريخ الامبراطورية العثمانية ٨ : ٢١٩ ـ ٢٢٨.
(٢) تسنم نصوح باشا مناصب عديدة منها ولاية ديار بكر وبغداد (١٦٠٨ م) وصاهر السلطان (هامر ٨ : ٢٠٧) واستقام في الوظائف العالية وقتل في رمضان ١٠٢٣ ه وسبب قتله ظلمه وتعاليه وقيل اكتشاف ميوله إلى الفرس (هامر ٨ : ٢١١) ذكر الرحالة ترجمته في الجزء الأول : ٥٦ ـ ٥٧ ؛ انظر أيضا المحبي : خلاصة الأثر ٤ : ٤٤٨.