على الضفة اليمنى مجموعة كبيرة من خيام البدو ، ولكثرة خيامهم تظن المنطقة مدينة كاملة وكنت أتمنى النزول إلى البر لإلقاء نظرة عليهم ، ولكن بعدهم عن النهر والوقت القصير منعاني من تحقيق رغبتي. وعند الغروب مررنا بمنطقة يصب فيها نهر ديالى بدجلة.
توقفنا مساء لنمضي الليلة في القارب نفسه قرب قرية تدعى «كرد حاجي كردي» والكرد واسطة لسحب الماء من النهر بواسطة الحيوانات. لقد أردت الاستفسار عن هذا الاسم لأن قرى عديدة على النهر تسمى هكذا ، فعلمت أن أصحابها يمتلكون الكرود لسقي أراضيهم الواسعة لذا يسمى الموضع باسم صاحبه. إن هؤلاء الملاكين يختلفون عن «البارونات» في بلادنا فأولئك يمارسون سلطة كاملة على إقطاعاتهم وأتباعهم أما هؤلاء فإن العاملين عندهم من القرويين الذين بنوا في أراضيهم فهم يفلحون الأرض لأصحابها لكنهم يكسبون بعض الثمار.
في اليوم التالي بارحنا ذلك المكان قبل الفجر وإذ كانت منطقة الآثار التي هي هدف رحلتنا من أخطر المناطق فقد أخذنا معنا ثلاثة أعراب من تلك القرية هم في الواقع من الغزاة الموالين للشيخ مبارك فوجودهم معنا يهبنا شيئا من الاطمئنان ويشفع لنا في حالة التقائنا برجال مبارك فهم من نفس العشائر ، وأبناء العشائر يعرفون بعضهم البعض. وكان رجالنا الثلاثة من أشجع رجال القرية وباستطاعتهم مناجزة قطاع الطرق. كان أحدهم لا يحمل سوى ثلاثة أسهم وكان يتباهى قائلا : إن كل سهم برجل : إن كل سهم برجل! وفي الواقع كان الرجال الثلاثة يتباهون بقدرتهم العالية على العدو السريع وبمعرفتهم لكل المسالك المطروقة وغير ذلك.
قبل ساعة من منتصف النهار وصلنا إلى «سلمان باك» أي سلمان الطاهر ، وهو من الأولياء وقبره في تلك البقعة. فنزلنا إلى الأرض ولم نهتم بالقلعة الصغيرة القائمة عند النهر وهي حديثة البناء وكانت خالية. فسرنا مباشرة إلى الآثار التي تبعد نحو نصف ميل من النهر ، ويدعي يهود اليوم بغباء فاضح أنها الهيكل الذي نصب فيه «نبوخذنصر» تمثاله الذهبي وأمر بالسجود له ، كما ورد