إلى الحجّ بكى وهو يقبلني مودعا قائلا : « هنيئا لك يا بني لقد أراد الله أن تحج قبلي وأنت في هذه السن ، فإنت ولد سيدي أحمد التيجاني أدع الله لي في بيته أن يتوب علي ويرزقني حج بيته الحرام ».
لذلك ظننت أنّ الله هو الذي ناداني وأحاطني بعنايته وأوصلني إلى ذلك المقام الذي تموت الانفس دون الوصول إليه حسرة ورجاء ، فمن أحق بالتلبية مني فكنت أبالغ في الطواف والصلاة والسعي وحتى في شرب ماء زمزم ، والصعود إلى الجبال حيث تتسابق الوفود للوصول إلى غار حراء فوق جبل النور فلم يسبقني إليه غير شاب سوداني فكنت « ثاني اثنين » وتمرغت فيه وكأني أتمرغ في حجر الرسول الاكرم وأشم أنفاسه ، يا لها من صور وذكريات تركت في نفسي أثرا عميقا لن يمحى أبدا!!.
عناية ربانية أخرى جعلت كل من يراني من الوفود يحبني ويطلب عنواني للمراسلة ، وقد أحبني رفاقي الذين احتقروني في أول لقاء جمعنا في تونس العاصمة لترتيب السفر وأحسست ذلك منهم وصبرت لعلمي مسبقا بأن أهل الشمال يحتقرون أهل الجنوب ويعتبرونهم متخلفين ، وسرعان ما تغيرت نظرتهم خلال السفر والمؤتمر والحج ، وقد بيضت وجوههم أمام الوفود بما كنت أحفظه من أشعار وقصائد وبما أحرزته من جوائز في المسابقات التي أقيمت بالمناسبة ، وقد عدت إلى بلادي ومعي أكثر من عشرين عنوانا لاصدقاء من مختلف الجنسيات.
كانت إقامتنا في السعودية خمسة وعشرين يوما كنا نلتقي فيها بعلماء ونستمع إليهم في محاضراتهم ، وقد تأثرت ببعض المعتقدات الوهابية التي أعجبت بها وتمنيت أن يكون المسلمون عليها ، وظننت في تلك الفترة أن الله اصطفاهم من بين العباد لحراسة بيته الحرام فهم أطهر وأعلم خلق الله على وجه الارض وقد أغناهم الله بالبترول ليتمكنوا من خدمة الحجيج ضيوف الرحمن والسهر على سلامتهم.
وعند رجوعي من الحج إلى بلادي كنت مرتديا اللباس السعودي بالعقال وفوجئت بالاستقبال الذي أعده لي والدي ، فكانت جموع من الناس محتشدة في المحطة يتقدمهم