المجال مفتوحا لمواصلة هذا التطفل المزعج وروى لنا قصة أحد العارفين بالله عندما جلس في حلقته بعض العلماء ، فقال له : قم فاغتسل ، وذهب العالم واغتسل وجاء ليجلس في الحلقة فقال له ثانية : قم فاغتسل ، وذهب العالم وعاود الغسل كأحسن ما يكون ظنا منه بأن الغسل الاول لم يكن على الوجه الصحيح ، وجاء ليجلس فانتهره الشيخ العارف وأمره بالاغتسال من جديد فبكى العالم وقال له : يا سيدي لقد اغتسلت من علمي ومن عملي ولم يبق عندي إلا ما يفتح الله به على يديك.
عند ذلك قال له العارف ، الآن اجلس.
وعرفت بأني أنا المقصود من هذه القصة كما عرف ذلك الحاضرون الذين لاموني بعد خروج الشيخ للاستراحة وأقنعوني بالسكوت ولزوم الاحترام بحضرة الشيخ صاحب الزمان لئلا تحبط أعمالي مستدلين بالآية الكريمة ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ) (١) صدق الله العظيم.
وعرفت قدري وامتثلت للاوامر والنصائح ، وقربني الشيخ منه أكثر ، وأقمت عنده ثلاثة أيام كنت أسأل خلالها أسئلة عديدة بعضها للاختبار وكان الشيخ يعرف ذلك مني فيجيبني قائلا بأن للقرآن ظاهرا وباطنا إلى سبعة أبطن كما فتح لي خزانته وأطلعني على كراسه الخاص والذي فيه سلسلة الصالحين والعارفين مسندة ومتصلة منه إلى أبي الحسن الشاذلي مرورا بعدة إولياء مذكورين إلى أن يصل السند إلى الامام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه.
ولا يفوتني أن أذكر هنا بأن الحلقات التي يقيمونها كانت روحية إذ يفتتحها الشيخ بقراءة ما تيسر من كتاب الله المجيد تلاوة وتجويدا ثم بعد فراغه يبدأ بمطلع القصيدة ويتبعه المريدون الذين يحفظون المدائح والاذكار وأكثرها ذم للدنيا وترغيب في الآخرة وفيها زهد وورع بعد ذلك يعيد المريد الاول الجالس على يمين الشيخ قراءة ما تيسر من القرآن وعندما يقول صدق الله العظيم يبدأ الشيخ مطلعا من قصيدة جديدة ويشارك الجميع في
__________________
(١) سورة الحجرات : آية ٢.