فأعطى الشاري حقه في التصرف بالمسكن وطلب من البائع أن يدفع للاخوين نصيبهما من الثمن المقبوض ، وقام الجميع يقبلون يده ، ويتعانقون ، ودهشت لهذا ولم أصدق ، وسألت أبا شبر ، هل انتهت القضية؟ قال : « خلاص كل اخذ حقه » ، سبحان الله! بهذه السهولة ، وبهذا الوقت الوجيز ، بضع دقائق فقط كافية لحسم النزاع؟ إن مثل هذه القضية في بلادنا تستغرق عشر سنوات على أقل تقدير ويموت بعضهم ، ويواصل أولاده بعده تتبع القضية ويصرفون رسوم المحكمة والمحامين ما يكلفهم في أغلب الاحيان ثمن المسكن نفسه ، ومن المحكمة الابتدائية إلى محكمة الاستئناف ثم إلى التعقيب وفي النهاية يكون الجميع غير راضين بعد ما يكونون قد انهكوا بالتعب والمصاريف والرشوة ، والعداوة والبغضاء بين عشائرهم وذويهم ، أجابني أبوشبر ، وعندنا أيضا نفس الشيء أو أكثر فقلت : كيف؟ قال : إذا رفع الناس شكواهم إلى المحاكم الحكومية ، فيكون مثل ما حكيت أما إذا كانوا يقلدون المرجع الديني ويلتزمون بالاحكام الاسلامية ، فلا يرفعون قضاياهم إلا إليه فيفصلها في بضع دقائق كما رأيت ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يعقلون؟ والسيد الصدر لم يأخذ منهم فلسا واحدا ، ولو ذهبوا إلى المحاكم الرسمية لتعرت رؤوسهم. ضحكت لهذا التعبير الذي هو سار عندنا أيضا وقلت : سبحان الله! أنا لا زلت مكذبا ما رأيت ، ولولا ما شاهدته بعيني ما كنت لاصدق أبدا ، فقال أبو شبر : لا تكذب ياأخي فهذه بسيطة بالنسبة إلى غيرها من القضايا التي هي أشد تعقيدا وفيها دماء ، ومع ذلك يحكم فيها المراجع ويفصلونها في سويعات ، فقلت متعجبا : إذاً عندكم في العراق حكومتان ، حكومة الدولة وحكومة رجال الدين ، فقال : كلا عندنا حكومة الدولة فقط ، ولكن المسلمين من الشيعة الذين يقلدون مراجع الدين ، لا علاقة لهم بالحكومة ، لانها ليست حكومة إسلامية فهم خاضعون لها بحكم المواطئية والضرائب والحقوق المدنية والاحوال الشخصية ، فلو تخاصم مسلم ملتزم مع أحد المسلمين غير الملتزمين فسوف يضطر حتما لرفع قضيته إلى محاكم الدولة ، لان هذا الاخير لا يرضى بتحكيم رجال الدين ـ أما إذا كان المتخاصمان متلزمين فلا أشكال هناك ، وما يحكم به المرجع الديني نافذ على الجميع. وعلى هذا الاساس تحل القضايا التي يحكم فيها المرجع في يومها بينما تظل القضايا الاخرى شهورا بل أعواما.
إنها حادثة حركت في نفسي شعور الرضى بأحكام الله سبحانه وتعالى وفهمت معنى