وفي هذه الحادثة تعدوا حدود رفع الاصوات والجهر بالقول إلى رميه صلىاللهعليهوآله بالهجر والهذيان « والعياذ بالله » ثم أكثروا اللغط والاختلاف وصارت معركة كلامية بحضرته. وأكاد أعتقد بأن الاكثرية الساحقة كانت على قول عمر ولذلك رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله عدم الجدوى في كتابة الكتاب لانه علم بأنهم لم يحترموه ولم يمتثلوا لامر الله فيه في عدم رفع أصواتهم بحضرته ، وإذا كانوا لامر الله عاصين فلن يكونوا لامر رسوله طائعين.
واقتضت حكمة الرسول بأن لا يكتب لهم ذلك الكتاب لانه طعن فيه في حياته ، فكيف يعمل بما فيه بعد وفاته ، وسيقول الطاعنون : بأنه هجر من القول ولربما سيشككون في بعض الاحكام التي عقدها رسول الله في مرض موته. إذ أن اعتقادهم بهجره ثابت.
أستغفر الله ، وأتوب إليه من هذا القول في حضرة الرسول الاكرم ، وكيف لي أن أقنع نفسي وضميري الحر بأن عمر بن الخطاب كان عفويا في حين أن أصحابه ومن حضروا محضره بكوا لما حصل حتى بل دمعهم الحصى وسموها رزية المسلمين.
ولهذا فقد خلصت إلى أن أرفض كل التعليلات التي قدمت لتبرير ذلك ، ولقد حاولت أن أنكر هذه الحادثة وأكذبها لاستريح من مأساتها ، ولكن كتب الصحاح نقلتها وأثبتتها وصححتها ولم تحسن تبريرها.
وأكاد أميل إلى رأي الشيعة في تفسير هذا الحدث لانه تعليل منطقي وله قرائن عديدة. وإني لا زلت أذكر إجابة السيد محمد باقر الصدر عندما سألته : كيف فهم سيدنا عمر من بين الصحابة ما يريد الرسول كتابته وهو استخلاف علي ـ على حد زعمكم ـ ، فهذا ذكاء منه.
قال السيد الصدر : لم يكن عمر وحده فهم مقصد الرسول ، ولكن أكثر الحاضرين فهموا ما فهمه عمر ، لانه سبق لرسول الله صلىاللهعليهوآله أن قال مثل هذا إذ قال لهم إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، وفي مرضه قال لهم : هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا ، ففهم الحاضرون ومن بينهم عمر أن رسول الله يريد أن يؤكد ما ذكره في غدير خم كتابيا ، وهو التمسك بكتاب الله وعترته ، وسيد العترة هو علي ، فكأنه صلىاللهعليهوآله أراد أن يقول : عليكم بالقرآن وعلي ، وقد