الغاية ، وأدته الحال إلى الإحالة ، وإنما الإحالة نتيجة الإفراط ، وشعبة من الإغراق.
وللحاتمي (١) في الغلو رأي ذكره ابن رشيق وهو : «وجدت العلماء بالشعر يعيبون على الشاعر أبيات الغلو والإغراق ، ويختلفون في استحسانها واستهجانها ، ويعجب بعض منهم بها ، وذلك على حسب ما يوافق طباعه واختياره ، ويرى أنها من إبداع الشاعر الذي يوجب الفضيلة له ، فيقولون : أحسن الشعر أكذبه ، وأن الغلو إنما يراد به المبالغة والإفراط ، وقالوا : إذا أتى الشاعر من الغلو بما يخرج عن الموجود ويدخل في باب المعدوم فإنما يريد به المثل وبلوغ الغاية في النعت ، واحتجوا بقول النابغة وقد سئل : من أشعر الناس؟ فقال : من استجيد كذبه وأضحك رديئه. وقد طعن قوم على هذا المذهب بمنافاته الحقيقة ، وأنه لا يصح عند التأمل والفكرة».
ويعلق ابن رشيق على زعم القائلين بأن أبا تمام هو الذي توسع في باب الغلو وتبعه الناس بعد فيقول : «وأين أبو تمام مما نحن فيه؟ فإذا صرت إلى أبي الطيب ـ المتنبي ـ صرت إلى أكثر الناس غلوا ، وأبعدهم فيه همة ، حتى لو قدر ما أخلى منه بيتا واحدا ، وحتى تبلغ به الحال إلى ما هو عنه غنيّ ، وله في غيره مندوحة كقوله :
يترشفن من فمي رشفات |
|
هنّ فيه أحلى من التوحيد |
وإن كان له في هذا تأويل ومخرج بجعله التوحيد غاية المثل في الحلاوة بفيه ...» (٢).
__________________
(١) هو أبو علي محمد بن الحسن الحاتمي. كاتب شاعر ناقد له عدة كتب في النقد والأدب واللغة والتراجم ، توفي سنة ٣٨٨ ه.
(٢) كتاب العمدة ج ٢ ص ٥٧ ـ ٦٢.