بعد هذه المقتبسات من كتاب العمدة لا بن رشيق والتي تعرض فيها للغلو من بعض الجوانب نذكر أن رجال البديع يقسمون الغلو قسمين : مقبول وغير مقبول :
١ ـ فالغلو الحسن المقبول عندهم هو ما دخل عليه أو اقترن به أداة من الأدوات التي تقربه إلى الصحة والقبول من نحو : «قد» للاحتمال ، و «لو» و «لولا» للامتناع ، و «كأنّ» للتشبيه ، و «يكاد» للمقاربة ، وما أشبه ذلك.
ومن أمثلة الغلو الحسن المقبول لاقترانه بأداة من أدوات التقريب قوله تعالى : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ ،) فإن إضاءة الزيت من غير مسّ نار مستحيلة عقلا ، ولكن لفظة «يكاد» قربته فصار مقبولا. ولهذا يجب على ناظم الغلو أن يسبكه في قوالب التخيلات الحسنة التي يدعو العقل إلى قبولها في أول وهلة.
ومن أمثلة الغلو المقبول أيضا قول المعري :
تكاد قسيّه من غير رام |
|
تمكن من قلوبهم النبالا |
تكاد سيوفه من غير سل |
|
تجد إلى رقابهم انسلالا |
فالقسي التي تسدد نبالها إلى القلوب من غير رام ، والسيوف التي تنسل إلى الرقاب فتعمل فيها من غير أن تسلّ من أغمادها أمران مستحيلان عقلا وعادة ، ولكن الذي حسّن هذا الغلو وجعله مقبولا هو دخول لفظة «تكاد» التي صيرت ما بعدها قريب الوقوع لا واقعا فعلا كما كان الشأن قبل تدخلها.
وعلى هذا النحو يمكن تفسير الغلو الحسن المقبول الذي دخلت عليه «يكاد» في قول ابن حمديس يصف فرسا :