لا تعجبي يا سلم من رجل |
|
ضحك المشيب برأسه فيكى |
فإن «الضحك» هنا من جهة المعنى ليس بضد «البكاء» ، لأنه كناية عن كثرة الشيب ، ولكنه من جهة اللفظ يوهم المطابقة.
ومنه قول قريط بن أنيف :
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة |
|
ومن إساءة أهل السوء إحسانا |
«فالظلم» ليس بضد «المغفرة» وإنما يوهم بلفظه أنه ضد.
وقول شاعر آخر :
وأخذت أطرار الكلام فلم تدع |
|
شتما يضر ولا مديحا ينفع |
فضد المديح هو الهجاء وليس الشتم وإن كان قريبا من معناه ، ولهذا فاستعماله ضدا للمديح هو من قبيل إيهام التضاد.
* * *
ظهور التضاد وخفاؤه :
والتضاد بين المعنيين قد يكون ظاهرا كما في الأمثلة السابقة ، وقد يكون خفيا كقوله تعالى : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً)(١) فإدخال النار ليس ضد الإغراق في المعنى ، ولكنه يستلزم ما يقابله وهو الإحراق ؛ فإن من دخل النار احترق ، والاحتراق ضد الغرق.
ومثله أيضا قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ). فالمطابقة هنا هي في الجمع بين «أشداء ورحماء» فلفظة «رحماء» ليست ضدا في المعنى «لأشداء» ولكن الرحمة تستلزم
__________________
(١) مما خطاياهم : من أجل خطاياهم وبسببها.