للسياحة ، فبينما أسير في السياحة فمررت على دكة نجّار هناك ، فلمّا عرف أنّي أهل حرفته وصنعته أحبّ أن أشتغل عنده أيّاما ، فوقفت عنده ، فلمّا رأى مهارتي تلاطف معي وعيّن لي كذا ، فكنت بالنهار مقيما هناك وبالليل أبيت بالكاظمين ، فأتى عليّ ذلك أيّام فبينما أنا ذات يوم أرجع إلى كاظمين وإذا بدرويش صاحبني وأظهر الملاطفة معي إلى أن انتهينا إلى المسجد الخرب الذي في طريق بغداد والكاظمين الذي يدعى ب (براثا) فأظهر لي أن منزله في هذا المسجد وأحبّ أن يضيّفني الليلة فاستدعى ذلك وأصرّ عليه فأجبته ودخلت منزله وإذا بجماعة آخرين في زيّه ثمّ اجتمع جماعة آخرون في زيّهم ومعهم شيء من مأكلهم فاجتمعوا بعد صلاة العشاء وأحضروا ما كان معهم في كيفية من الاتحاد واشتغلوا بالأكل ، ثمّ اشتغلوا بالعبادة وإحياء الليل فأعجبني ما كانوا عليه ولم أكن أعهد من نظائرهم هذه الصفة فاضفت عندهم يومين ، فلمّا كان الثالث خرج أحدهم وقال لي : يا فلان إن قافلة الزوّار قد خرجت من الكاظمين يريدون كربلاء فالحق بهم وامض معهم ، فلحقتهم حتّى أتيت كربلاء فبقيت أنا أيّاما مشتغلا بالعبادة والزيارة فقلت في نفسي : إنّي على ما أمرت لا بدّ لي من الإقامة فيه أيّاما ومعي حرفتي وصنعتي النجارة فأشتغل بها ولا بدّ لي من دكة أكون عليها ، فأتيت الشيخ الجليل العالم الفاضل شيخ العراقين شيخ عبد الحسين الطهراني لإجارة دكة تناسبني وهو حينئذ مشغول بعمارة الصحن الشريف ، فلمّا ظهر له حالي وقصّتي قال لي الأصلح حينئذ أن تقيم على العمالة والبنائين بالصحن الشريف حتّى تتهيّأ الأسباب والآلة المحتاجة إلى النجارة ثمّ اختر ما شئت ، وأجرى لي أجرة معلومة فوقفت كما أمرني على وظيفتي السركاري (١).
ثمّ ذكر اسمه واسم قريته واسم أبيه وأمّه واخوته وبعض عمومته وعشيرته وذكر أن له عيالا وأولادا في بلدته وقال : يعرفني أكثر أهل أرومية ولا بدّ من مجيء زوّار من الأرومية فليتحقق وليسأل عنّي ولم أكن أحتاج إليهم ، وإنّي على صنعتي وحرفتي بحيث أعيش عشرة رءوس وأتكفّل بهم ، وقد قطعت النظر عن العيال والأطفال والتجأت إلى هذه البقعة المطهّرة وجاورت كربلاء ، وإني في زيّهم مشتغل بكسبي وزيارتي وعبادتي إلى أن أدرك الأجل المحتوم. فهنيئا له ثمّ هنيئا له.
__________________
(١) كلمة فارسيّة معناها المشرف على العمّال.