ولكن اعلم يا أخي أنّ كلّ مؤمن مخلص يمكن أن يرى الإمام ولا يعرفه فقلت : يا سيدي أنا من جملة العبيد المخلصين ولا رأيته فقال لي : بل رأيته مرّتين ، منها : لما أتيت إلى سر من رأى وهي أوّل مرّة جئتها وسبقك أصحابك وتخلّفت عنهم حتّى وصلت إلى نهر لا ماء فيه فحضر عندك فارس على فرس شهباء وبيده رمح طويل وله سنان دمشقي ، فلمّا رأيته خفت على ثيابك فلمّا وصل إليك قال لك لا تخف اذهب إلى أصحابك فإنّهم ينتظرونك تحت تلك الشجرة. فأذكرني والله ما كان ، فقلت قد كان ذلك يا سيدي ، قال : والمرة الاخرى حين خرجت من دمشق تريد مصرا مع شيخك الأندلسي وانقطعت عن القافلة وخفت خوفا شديدا فعارضك فارس على فرس غرّاء محجّلة ، بيده رمح أيضا وقال لك : سر ولا تخف إلى قرية على يمينك ونم عند أهلها الليلة وأخبرهم بمذهبك الذي ولدت عليه ولا تتّق منهم فإنّهم مع قرى عديدة جنوبيّ دمشق مؤمنون مخلصون يدينون بدين علي بن أبي طالب والأئمّة المعصومين من ذريته ، أكان ذلك يا بن فاضل؟ قلت : نعم ، وذهبت إلى عند أهل القرية ونمت عندهم فأعزّوني وسألتهم عن مذهبهم فقالوا لي من غير تقيّة منّي : نحن على مذهب أمير المؤمنين ووصيّ رسول ربّ العالمين علي بن أبي طالب عليهالسلام والأئمّة المعصومين من ذريّته ، فقلت لهم : من أين لكم هذا المذهب ومن أوصله إليكم؟
قالوا : أبو ذر الغفاري رحمهالله حين نفاه عثمان إلى الشام ونفاه معاوية إلى أرضنا هذه فعمّتنا بركته ، فلمّا أصبحت طلبت منهم اللحوق بالقافلة فجهّزوا معي رجلين ألحقاني بها بعد أن صرّحت لهم بمذهبي ، فقلت له : يا سيدي هل يحجّ الإمام في كلّ مدّة بعد مدّة؟ قال لي : يا ابن فاضل الدنيا خطوة مؤمن ، فكيف بمن لم تقم الدنيا إلّا بوجوده ووجود آبائه ، نعم يحجّ في كلّ عام ويزور آباءه في المدينة والعراق والطوس على مشرّفها السلام ويرجع إلى أرضنا هذه ، ثمّ إنّ السيّد شمس الدين حثّ عليّ بعدم التأخير بالرجوع إلى العراق وعدم الإقامة في بلاد المغرب ، وذكر لي أن دراهمهم مكتوب عليها : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي ولي الله محمد بن الحسن القائم بأمر الله ، وأعطاني السيّد منها خمسة دراهم وهي محفوظة عندي للبركة ، ثمّ إنّه ـ سلّمه الله ـ وجّهني مع المراكب التي أتيت معها إلى أن وصلنا إلى تلك البلدة التي أوّل ما دخلتها من أرض البربر وكان قد أعطاني حنطة وشعيرا فبعتها في تلك البلدة بمائة وأربعين دينارا ذهبا من معاملة بلاد المغرب ، ولم أجعل طريقي على الأندلس