وعلى كل حال فعقيدتنا أن القضاء والقدر سر من أسرار الله تعالى ، فمن استطاع أن يفهمه على الوجه اللائق بلا افراط ولا تفريط فذاك ، وإلّا فلا يجب عليه أن يتكلف فهمه والتدقيق فيه ، لئلا يضل وتفسد عليه عقيدته ؛ لأنه من دقائق الامور ، بل من أدق مباحث الفلسفة التي لا يدركها إلّا الأوحدي من الناس ، ولذا زلت به أقدام كثير من المتكلمين (٦). فالتكليف به تكليف بما هو فوق مستوى مقدور الرجل العادي.
______________________________________________________
مستندة إليه تعالى. غايته أن أحد الاستنادين في طول الآخر لا في عرضه ، ولا مع انضمامه ، وهذا هو المراد من قوله : «ولكن أمر بين الأمرين».
ثم زاد على معناه الكلامي معناه الفلسفي ومعناه الأخلاقي ، ولكنهما في عين كونهما صحيحين أجنبيان عن ظاهر هذه الجملة ، وبعيد عن مساق الأخبار المذكورة ، وعن ظاهر الكلمات. هذا مضافا إلى أن المعنيين المذكورين ، لا يختصان بالأفعال الاختيارية للإنسان ، إذ الضرورة بالغير جارية في كل ممكن موجود ، كما ان قابلية تغيير الخلق والطينة الموروثة خارجة عن دائرة الأفعال ، ولعل مراده من تفسيره بهما مجرد اقتباس لا تفسير حقيقي له فراجع» (١).
وكيف كان فالمحصل هو أن المراد من الأمر بين الأمرين ، هو المالكية الطولية ، وهي مالكية الله تعالى لمالكية العباد ، فالعباد في عين كونهم مالكين للقدرة والاختيار ، وفاعلين للأفعال بالحقيقة ، مملوكون لله تعالى ، ومعلولون له وليسوا بمفوضين ومستقلين عنه عزوجل ، كما يشهد به الوجدان فلا تغفل.
(٦) يقع البحث في امور : الأول : في معنى القضاء والقدر ، ولا يخفى عليك أن القضاء هو فصل الأمر
__________________
(١) اصول فلسفه : ج ٣ ص ١٦٤.