ولعلّ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (١) يشير إلى ذلك.
الثالث : المعلولية ، وتقريب هذا البرهان بأن يقال : لا شك في وجود الموجودات في الخارج فحينئذ نقول : إن هذه الوجودات كلّها معاليل وكلّ معلول يحتاج إلى العلة فهذه الوجودات تحتاج إلى علة ليست بمعلولة وهو الحق المتعال.
أما أنها معاليل ؛ فلجواز العدم عليها إذ لا يلزم من فرض عدمها محال وكلّ ما لا يلزم من فرض عدمه محال فالوجود ليس بذاتي له ، فإذا لم يكن الوجود ذاتيا له فترجح الوجود له من ناحية الغير وليس المعلولية إلّا ذلك.
هذا مضافا إلى خلو الموجودات عن صفات الواجب ، لأن من صفات الواجب هو أنه لا يشوبه النقص والعدم ولا يكون مركبا ولا يحتاج إلى شيء ولا يكون محدودا بحدود ولا متقيدا بقيد ولا شرط ولا سبب ، بل هو عين الكمال وعين الوجود وبسيط ومطلق من جميع الجهات ، ولا حاجة له إلى شيء من الأشياء.
وهذه الامور ليست في الموجودات الخارجية فإنها مشوبة بالنقص والعدم لأنّ كلّ واحد منها محدود بحد ومرتبة ولا يكون واجدا لسائر المراتب ومركبة بالتركيب الخارجي أو التركيب الذهني من الجنس والفصل ومتقيدة بأسبابها وشرائطها ومحتاجة في وجودها وبقائها إلى الغير فليست الموجودات إلّا المعلولات. هذا كلّ الكلام في ناحية الصغرى.
وأما الكلام في ناحية الكبرى فهو واضح إذ لو لم يحتج المعلول إلى العلة لزم الخلف في المعلولية أو الترجح من غير مرجح وكلاهما محال.
__________________
(١) فاطر : ١٥.