وقريب من البداء في هذا المعنى نسخ أحكام الشرائع السابقة ، بشريعة نبينا ـ صلىاللهعليهوآله ـ بل نسخ بعض الأحكام التي جاء بها نبينا ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ (٤).
______________________________________________________
(٤) ولا يخفى عليك أن النسخ حقيقة هو ارتفاع الحكم بانقضاء زمانه وأمده فإن الحكم المجعول في موارد النسخ مقيد في الواقع بزمان خاص معلوم عند الله ومجهول عند الناس ، إذ لا يعلمونه إلّا بعد إعلام ارتفاعه ، وعليه فلا يرد على النسخ ما ربما يقال من أن النسخ يستلزم عدم حكمة الناسخ ، أو جهله بوجه الحكمة ، وكلا هذين اللازمين يستحيل في حقه تعالى ، وذلك لأن تشريع الحكم من الحكيم المطلق لا بد وأن يكون على طبق مصلحة تقتضيه ؛ لأن الحكم الجزافي ينافي حكمة جاعله ، وعلى ذلك فرفع هذا الحكم الثابت لموضوعه ، إما أن يكون مع بقاء الحال على ما هو عليه من وجه المصلحة وعلم ناسخه بها ، وهذا ينافي حكمة الجاعل ، مع أنه حكيم مطلق ، وإما أن يكون من جهة البداء وكشف الخلاف على ما هو الغالب في الأحكام والقوانين العرفية ، وهو يستلزم الجهل منه تعالى ، وعلى ذلك فيكون وقوع النسخ في الشريعة محالا ؛ لأنه يستلزم المحال انتهى.
وذلك لما عرفت من أن الحكم كان في الواقع محدودا ومعلوما لله تعالى ، فإذا تم وقته أخبر عن ارتفاعه ، فلا ينافي الحكمة ، كما لا يستلزم الجهل ، بل ادامته مع خلوه عن المصلحة ، تنافي الحكمة.
ثم إن النسخ يقرب البداء وليس عنه ؛ لأن في البداء مقتضيات الشيء موجودة ، ولكن في النسخ لا مقتضي لوجود الحكم بحسب الواقع ، بعد انقضاء أمد الحكم. نعم يكون المقتضي الاثباتي من اطلاق الأدلة موجودا ، وباعتباره كان النسخ قريبا من البداء بالمعنى الممكن ، وهو ظهور شيء منه ، على خلاف