يمرض ، أبدا له في ذلك؟ أليس يحيي ويميت ، أبدا له في كل واحد من ذلك؟ فقالوا : لا ، قال : فكذلك الله تعبّد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة ، بعد أن تعبّده بالصلاة إلى بيت المقدس ، وما بدا له في الأول ـ الحديث الشريف» (١).
وحاصله أن البداء التشريعي كالبداء التكويني ، فكما أن في البداء التكويني ما بدا شيء له تعالى ؛ لأنه العالم بالعواقب ، بل بدا منه لغيره ، كذلك في البداء التشريعي.
وأما البداء بمعناه الآخر من ظهور الشيء منه تعالى للغير ، على خلاف ما تقتضيه المقتضيات الغير التامة والمعدات ، فلا استحالة فيه ؛ لأنه لا ينافي علمه به وإرادته به من الأزل ، وهو أمر واقع في النظام العالمي المادي الذي لا يخلو عن التزاحم بين المقتضيات ، ومن المعلوم أن الواقع لا يقع إلّا لكونه ممكنا ، فلا مجال لدعوى استحالته بعد الوقوع.
قال العلّامة الطباطبائي ـ قدسسره ـ في ذيل قوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) ما حاصله : «إنما البداء هو ظهور أمر منه تعالى ثانيا ، بعد ما كان الظاهر منه خلافه أولا ، فهو محو الأول وإثبات الثاني ، والله سبحانه عالم بهما جميعا ، وهذا مما لا يسع لذي لب إنكاره ، فإن للامور والحوادث وجودا بحسب ما تقتضيه أسبابها الناقصة ، من علة أو شرط أو مانع ربما تخلف عنه ، ووجودا بحسب ما تقتضيه ، أسبابها وعللها التامة ، وهو ثابت غير موقوف ولا متخلف ـ إلى أن قال : ـ وعلى أي حال ظهور أمر أو إرادة منه تعالى ، بعد ما كان الظاهر خلافه واضح لا ينبغي الشك فيه ، والذي أحسب أن النزاع في ثبوت البداء ، كما يظهر من أحاديث أئمة أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ ونفيه كما يظهر من غيرهم ، نزاع لفظي ، ولهذا لم نعقد لهذا البحث فصلا مستقلا على ما
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٤ ص ١٠٦.