رَجُل مُلْكاً يَسِيْراً ثمَّ هَلَكَ ـ يعنون أَبا بكر ـ وَقامَ بعده آخَرُ قَدْ طالَ عُمُرُهُ حتّى تَنَاولكُمْ في بلادِكُمْ وأَغْزَاكُمْ جُنُودَهُ ـ يعنون عُمَرَ بنَ الخَطَّاب ـ وأنه غيرمنتهٍ عَنكم حتى تُخرجوا من في بلادكم من جنوده ، وتخرجوا إليه فتغزوه في بلاده ، فتعاقدوا على هذا وتعاهدوا عليه.
فلمّا انتَهى الخَبَرُ إِلى مَنْ بِالكُوْفَةِ مِنَ المُسْلمين أَنهوه إلى عمربن الخَطّاب ، فلمّا انتهى إليه الخبر فزع عمر لذلك فزعاً شديداً ، ثمّ أتى مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : معاشر المهاجرين والأَنصار ، إِنّ الشيطان قد جمع لكم جُموعاً ، وأقبل بها ليطفئ نور الله ، أَلا إِن أهل همذان وأهل اصفهان والري وقُومِس ونهاوند مختلفة أَلسنتُها وأَلوانها وأَديانُها ، قد تعاهَدوا وتعاقدوا أن يُخرجوا من بلادهم إخوانكم من المسلمين ، ويخرجوا إِليكم فيغزُوكم في بلادكمْ ، فأَشيروا عليَّ وأَوجِزوا ولا تُطنبوا في القول ، فإِنَّ هذا يومٌ له ما بعده من الأيام.
فتكلّموا ، فقام طلحة بن عبيدالله ـ وكان من خطباء قريش ـ فحمد الله وأَثنى عليه ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ، قد حَنَكَتْك الأُمور ، وجَرَّستك (١) الدهور ، وعَجَمَتك البلايا ، وأَحكمتك التجارب ، وأَنت مُبارَك الأَمر ، ميمون النقيبة ، قد وليت فخَبَرت واختبرت وخُبِرت ، فلم تنكشف من عواقب قضاء الله إلاّ عن خيار ، فاحضر هذا الأَمر برأيك ولا تَغِب عنه. ثمّ جلس.
فقاك عمر : تكلّموا ، فقام عثمان بن عَفّان فحمد الله وأَثنى عليه
ــــــــــــــــــ
(١) جَرّسته الأمور. جربته وأحكمته. « الصحاح ـ جرس ـ ٣ : ٩١٣ ».