بصانعِه ، والتّوحيدَ له ، وعَهدَ إِليه في الاستسرارِ بما أودعه من دينهِ ، والصيانةِ له والحفظِ وأداءِ الأمانةِ فيه.
وكانَ إِذْذاكَ عليهالسلام على قولِ بعضِهم من أبناءِ سبعِ سنينَ ، وعلى قولِ بعضٍ آخرَمن أبناءِ تسعٍ ، وعلى قولِ الأكثرِمن أبناءِ عشرٍ ، فكانَ كمالُ عقلهِ عليهالسلام وحصولُ المعرفَةِ له باللهِ وبرسولهِ صلىاللهعليهوآله آيةً للّهِ فيه باهرةً خَرَقَ بها العادةَ ، ودَلَّ بها على مكانهِ منه واختصاصِه به وتأهيلِه لما رشّحه له من إِمامةِ المسلمينَ والحجّةِ على الخلقِ أجمعينَ ، فجرى في خرقِ العادةِ لِما ذكرناه مجرى عيسى ويحيى عليهماالسلام بما وصفناه ، ولولا أنّه عليهالسلام كانَ في تلكَ الحالِ كاملاً وافراً وباللّهِ عزّ وجلّ عارفاً ، لمَا كلّفه رسولُ اللهِ صلىاللهعليهوآله الإقرارَ بنبوّته ، ولا ألزمه الإيمانَ به والتّصديقَ لرسالتهِ ، ولا دعاه إِلى الاعترافِ بحقِّه ، ولا افتتحَ الدّعوةَ به قبلَ كل أحدٍ منَ النّاسِ سوى خديجةَ عليهاالسلام زوجتهِ ، وَلماُ (١) ائتمنَه على سرِّه الّذي أُمِرَ بصيانتهِ ؛ فلمّا ـ أفرده النّبيُّ صلىاللهعليهوآله بذلكَ من أبناءِ سنَه كلَهم في عصرِه ، وخصّه به دون من سواه ممّن ذكرناه ، دلّ ذلكَ على أَنّه عليهالسلام كانَ كاملاً معَ تقارُبِ سنِّه ، وعارفاً باللّهِ تعالى ونبيّه صلىاللهعليهوآله قبلَ حُلْمِه ، وهذا هومعنى قولِ اللهِ عزّوجلّ في يحيى عليهالسلام ( وآتيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيّاً ) (٢) إِذ لا حكمَ أوضحُ من معرفةِ اللّهِ ، وأظهرُ منَ العلمِ بنبوّةِ رسولِ اللهِ صلىاللهعليهوآله ، وأشهرُ منَ القدرةِ على
ــــــــــــــــــ
(١) في « م » وهامش « ش » : ولا.
(٢) مريم ١٩ : ١٢.