فلما سمِع رسولُ الله صلىاللهعليهوآله باجتماع الأحزاب عليه ، وقوّة عزيمتهم في حربه ، استشار أصحابه ، فأجمع رأيهم على المُقام بالمدينة ، وحرب القوم إن جاؤوا إليهم على أنقابها (١).
وأشار سلمان الفارسي رحمهالله على رسول الله صلىاللهعليهوآله بالخَنْدَق ، فأمر بحَفْره وعَمِل فيه بنفسه ، وعَمِل فيه المسلمون.
وأقبلت الأحزابُ إلى النبي صلىاللهعليهوآله فهال المسلمين أمرُهم وارتاعوا من كثرتهم وجمعهم ، فنزلوا ناحيةً من الخَنْدق ، وأقاموا بمكانهم بِضعاً وعشرين ليلة ثمّ لم يكن بينهم حرب إلاّ الرمي بالنَبْل والحصار.
فلما رأى رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ضعفَ قلوب أكثر المسلمين من حصارهم لهم ووهنهم في حربهم ، بعث إلى عُيَيْنَة بن حِصْن والحارث بن عَوْف ـ وهما قائدا غَطَفان ـ يدعوهم إلى صلحه والكفّ عنه ، والرجوع بقومهما عن حربه ، على أن يُعطيهم ثلثَ ثِمار المدينة.
واستشار سعدَ بن مُعاذ وسعدَ بن عُبادة فيما بعث به إلى عُيَينة والحارث ، فقالا : يا رسول الله ، إن كان هذا الأمر لا بُدّ لنا من العمل به ، لأنّ الله أمَرَك فيه بما صنعتَ ، والوحيُ جاءك به ، فافعل ما بدا لك ، وإن كنتَ تُحِبُّ أن تَصْنَعه لنا ، كان لنا فيه رأي.
فقال عليه واله السلام : « لم يأتني وحيٌ به ، ولكنّي رأيتُ العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وجاؤوكم من كلّ جانب ، فأردتُ
ــــــــــــــــــ
(١) الأنقاب : جمع نقب ، وهو الطريق في الجبل. « الصحاح ـ نقب ـ ١ : ٢٢٧ ».