إن قلت : إنّ الآية الكريمة إنّما تدلّ على أنّ اليهود كانوا قبل البعثة يستفتحون على الذين كفروا ، وكانوا يخبرون عن ظهور النبي صلىاللهعليهوآله ويصدّقونه ، فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به ، والرواية قد دلّت على أنّهم يكذّبونه قبل ذلك.
قلت : ما دلّت عليه الرواية : أنّ المجالسين لهما كانوا يكذّبونه ، ولعلّ مجالستهما إيّاهم كانت للاستخبار عن حاله صلىاللهعليهوآله ومآل حاله ، وكانت بعد البعثة ، ولا رادّ لاحتمال أن يكون طائفة من اليهود كانوا يكذّبونه قبل ذلك تعصّبا ؛ لعلمهم بأنّه من العرب ومن ولد إسماعيل على نبيّنا وآله وعليهالسلام ، وبعد جواز الجمع بين ظاهر الآية والرواية بأحد الوجهين المقبولين عند العرف يرفع الإشكال ، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.
العاشر : تضمّنه أنّ الرجلين كانا يجالسان اليهود ، ويستخبرانهم عن عواقب أمر محمد صلىاللهعليهوآله مع أنّهما لم يكونا أهل ذلك ، لا سيّما الثاني الذي كان جلفا جافا ، وحديث إسلامه معروف ، وأيّ مانع من أن يكون إسلامهما طوعا ويصيران أخيرا منافقين ، فكم من مؤمن صار كافرا فضلا عن أن يصير منافقا ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) ألم يكن إبليس ملكا (١) مقرّبا ثمّ صار رجيما لعينا؟ فأيّ استبعاد من أن يؤمن الرجلان طوعا ثمّ يكفران حسدا منهما بمقام أمير المؤمنين عليهالسلام ، واستنكافا عن طاعته كما كفر إبليس بسبب آدم عليهالسلام؟ ألم يخبر الله تعالى بانتظار وقوع الارتداد من عامّة الامة في قوله عزوجل : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ
__________________
(١) وهذا مخالف لقوله تعالى : (كانَ مِنَ الْجِنِ) ، فتأمّل.