يكن ينحو منحى العلوم وما تقتضيه من تجربة ومراس ومران .. إلى عوامل أخرى تتعلق بالربح التجاري الذي يتوخّاه النّاشر من وراء قيامه بنشر كتاب ما ، وهي غاية معقولة تماما في ظروف العمل الثقافي الذي لم يخضع بعد إلى الاسناد الكامل كما يسند رغيف الخبز من قبل الجهات الاقتصادية المعنيّة. يضاف إلى ذلك أن الشيء اليسير الذي طبع من التراث العربي على أساس أنه من التراث التجريبي العلمي كان ، في أغلب نصوصه المنشورة بعيدا ، عن مدارك الناس ومعلوماتهم ، بل أن كثيرا منه اندرج وبكل سهولة ضمن أبواب الخرافات والأساطير .. وإلا فما معنى أن ينشر كتاب يقال عنه إنه في الطب ـ مثلا ـ وهو يدعو قراءه الى كتابة الأحجبة والتعاويذ لمقاومة الطاعون والحمّى الصفراء ، أو أن يلتهم المريض شيئا من تراب هذا القبر أو تلك الأرض!
فكان هذا وغيره من العوامل التي تظافرت على اختفاء التراث العلمي العربي الذي شيّد حضارة من أكثر الحضارات الإنسانية رصانة وأمانا وتعاونا بين البشر.
ولا نعبر هذه المسألة من غير أن نشير الى أن كثيرا من أمناء المكتبات والمسؤولين عن مخازن المخطوطات في الدول العربية والإسلامية ساهموا ، بهذا القدر أو ذاك ، في إبعاد الناس عن الإطلاع على تراثهم العلمي وما يمكن أن يستخلصوا منه من فائدة عظيمة في هذا العصر .. وذلك أن أولئك الأمناء والمسؤولين ، أو أغلبهم ، كانوا ـ وما زالوا ـ يتفنّنون في إقامة العراقيل أما أيّ باحث جادّ يحاول أن يقدّم شيئا نافعا لهذه الأمة التي تعيش مرحلة من أخطر مراحل الحوار الحضاري والتّكامل الإنسانيّ ، والتي لن تستطيع أن تجتازها من