ومقاصده ، فإن الاختلاف في الأصول يفضي إلى تعطيل بعضها فينخرم بعض أساس الدّين.
والمراد : ولا تتفرقوا في إقامته بأن ينشط بعضهم لإقامته ويتخاذل البعض ، إذ بدون الاتفاق على إقامة الدّين يضطرب أمره. ووجه ذلك أن تأثير النفوس إذا اتفقت يتوارد على قصد واحد فيقوى ذلك التأثير ويسرع في حصول الأثر إذ يصير كل فرد من الأمة معينا للآخر فيسهل مقصدهم من إقامة دينهم. أما إذا حصل التفرق والاختلاف فذلك مفض إلى ضياع أمور الدّين في خلال ذلك الاختلاف ، ثم هو لا يلبث أن يلقي بالأمة إلى العداوة بينها وقد يجرّهم إلى أن يتربص بعضهم ببعض الدوائر ، ولذلك قال الله تعالى : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال : ٤٦].
وأما الاختلاف في فروعه بحسب استنباط أهل العلم بالدّين فذلك من التفقّه الوارد فيه قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدّين».
(كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ).
اعتراض بين جملة (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ) وجملة (وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) [الشورى : ١٤]. ولك أن تجعله استئنافا بيانيا جوابا عن سؤال من يتعجب من إعراض المشركين عن الإسلام مع أنه دين مؤيّد بما سبق من الشرائع الإلهية ، فأجيب إجمالا بأنه كبر على المشركين وتجهموه و (كَبُرَ) بمعنى صعب ، وقريب منه إطلاق ثقل ، أي عجزوا عن قبول ما تدعوهم إليه ، فالكبر مجاز استعير للشيء الذي لا تطمئن النفس لقبوله ، والكبر في الأصل الدّال على ضخامة الذات لأن شأن الشيء الضخم أن يعسر حمله ولما فيه من تضمين معنى ثقل عدّي ب (عَلَى).
وعبر عن دعوة الإسلام ب (ما) الموصولة اعتبارا بنكران المشركين لهذه الدعوة واستغرابهم إيّاها ، وعدّهم إيّاها من المحال الغريب ، وقد كبر عليهم ذلك من ثلاث جهات :
جهة الداعي لأنه بشر مثلهم قالوا (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٤] ، ولأنه لم يكن قبل الدعوة من عظماء القريتين (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١].
وجهة ما به الدعوة فإنهم حسبوا أن الله لا يخاطب الرّسل إلا بكتاب ينزله إليه دفعة