والباء للسببية وهو في معنى قوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠].
و (يَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) عطف على (يُوبِقْهُنَ) فهو في معنى جزاء للشرط المقدّر ، أي وإن يشأ يعف عن كثير فلا يوبقهم مع استحقاقهم أن يوبقوا. وهذا العطف اعتراض.
(وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥))
قرأ نافع وابن عامر ويعقوب برفع (وَيَعْلَمَ) على أنه كلام مستأنف. وقرأه الباقون بالنصب.
فأما الاستئناف على قراءة نافع وابن عامر ويعقوب فمعناه أنه كلام أنف لا ارتباط له بما قبله ، وذلك تهديد للمشركين بأنهم لا محيص لهم من عذاب الله لأنه لما قال : (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ) [الشورى : ٣٢] صار المعنى : ومن آيات انفراده بالإلهية الجواري في البحر. والمشركون يجادلون في دلائل الوحدانية بالإعراض والانصراف عن سماعها فهددهم الله بأن أعلمهم أنهم لا محيص لهم ، أي من عذابه ، فحذف متعلق المحيص إبهاما له تهويلا للتهديد لتذهب النفس كل مذهب ممكن فيكون قوله : (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ) خبرا مرادا به الإنشاء والطلب فهو في قوة : وليعلم الذين يجادلون ، أو اعلموا يا من يجادلون ، وليس خبرا عنهم لأنهم لا يؤمنون بذلك حتى يعلموه.
وأما قراءة النصب فهي عند سيبويه وجمهور النحاة على العطف على فعل مدخول للام التعليل ، وتضمّن (أن) بعده. والتقدير : لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون إلخ. وسموا هذه الواو واو الصّرف لأنها تصرف ما بعدها عن أن يكون معطوفا على ما قبلها ، إلى أن يكون معطوفا على فعل متصيّد من الكلام ، وهذا قول سيبويه في باب ما يرتفع بين الجزمين وينجزم بينهما ، وتبعه في «الكشاف» ، وذهب الزجاج إلى أن الواو واو المعية التي ينصب الفعل المضارع بعدها ب (أن) مضمرة.
ويجوز أن يجعل الخبر مستعملا في مقاربة المخبر به كقولهم : قد قامت الصلاة ، فلما كان علمهم بذلك يوشك أن يحصل نزّل منزلة الحاصل فأخبر عنهم به ، وعلى هذا الوجه يكون إنذارا بعقاب يحصل لهم قريب وهو عذاب السيف والأسر يوم بدر.
وذكر فعل (يَعْلَمَ) للتنويه والاعتناء بالخبر كقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) في سورة البقرة [٢٢٣] ، وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) في سورة الأنفال [٤١] ، وقول النبي صلىاللهعليهوسلم حين رأى أبا مسعود الأنصاري يضرب غلاما له فناداه : «اعلم أبا مسعود!