بوصف (السَّمِيعُ) لأن السميع هو الذي يعلم الأقوال فلا يخفى عليه منها شيء. وأشير إلى علم النّوع الثاني بوصف (الْعَلِيمُ) الشامل لجميع المعلومات. وقدم (السَّمِيعُ) للاهتمام بالمسموعات لأنّ أصل الكفر هو دعاء المشركين أصنامهم.
واعلم أن السميع والعليم تعليلان لجملة (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) بطريق الكناية الرمزية لأن علة الإرسال في الحقيقة هي إرادة الصلاح ورحمة الخلق. وأما العلم فهو الصفة التي تجري الإرادة على وفقه ، فالتعليل بصفة العلم بناء على مقدمة أخرى وهي أن الله تعالى حكيم لا يحب الفساد ، فإذا كان لا يحب ذلك وكان عليما بتصرفات الخلق كان علمه وحكمته مقتضيين أن يرسل للناس رسلا رحمة بهم. وضمير الفصل أفاد الحصر ، أي هو السميع العليم لا أصنامكم التي تدعونها. وفي هذا إيماء إلى الحاجة إلى إرسال الرّسول إليهم بإبطال عبادة الأصنام.
وفي وصف (السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) تعريض بالتهديد.
(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧))
هذا عود إلى مواجهة المشركين بالتذكير على نحو ما ابتدأت به السورة. وهو تخلّص للاستدلال على تفرد الله بالإلهية إلزاما لهم بما يقرّون به من أنه ربّ السماوات والأرض وما بينهما ، ويقرون بأن الأصنام لا تخلق شيئا ، غير أنهم معرضون عن نتيجة الدليل ببطلان إلهية الأصنام ألا ترى القرآن يكرر تذكيرهم بأمثال هذا مثل قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [النحل : ١٧] وقوله : والذين تدعون (مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) [النحل : ٢٠ ، ٢١] ، ولأجل ذلك ذكر الربوبية إجمالا في قوله : (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) [الدخان : ٦] ثم تفصيلا بذكر صفة عموم العلم التي هي صفة المعبود بحق بصيغة قصر القلب المشير إلى أن الأصنام لا تسمع ولا تعلم. وبذكر صفة التكوين المختصة به تعالى بإقرارهم ارتقاء في الاستدلال. فلما لم يكن مجال للريب في أنه تعالى هو الإله الحق أعقب هذا الاستدلال بجملة (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) بطريقة إثارة التيقظ لعقولهم إذ نزلهم منزلة المشكوك إيقانهم لعدم جريهم على موجب الإيقان لله بالخالقية حين عبدوا غيره بأن أتي في جانب فرض إيقانهم بطريقة الشرط ، وأتي بحرف الشرط الذي أصله عدم الجزم بوقوع الشرط على نحو قوله تعالى : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) [الزخرف : ٥].