أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ) [الأعراف : ٣٨] ويجوز أن يكون بيانا ل (قُرَناءَ) أي ملازمين لهم ملازمة خفية وهي ملازمة الشياطين لهم بالوسوسة وملازمة أئمة الكفر لهم بالتشريع لهم ما لم يأذن به الله.
وجملة (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) يجوز أن تكون بيانا للقول مثل نظيرتها (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) في سورة الصافات [٣١] ، ويجوز أن تكون مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئا عن جملة (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ) والمعنيان متقاربان.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦))
عطف على جملة (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) [فصلت : ٥] عطف القصة على القصة ، ومناسبة التخلص إليه أن هذا القول مما ينشأ عن تزيين قرنائهم من الإنس ، أو هو عطف على جملة (فَزَيَّنُوا لَهُمْ) [فصلت : ٢٥]. وهذا حكاية لحال أخرى من أحوال إعراضهم عن الدعوة المحمدية بعد أن وصف إعراضهم في أنفسهم انتقل إلى وصف تلقينهم الناس أساليب الإعراض ، فالذين كفروا هنا هم أئمة الكفر يقولون لعامتهم : لا تسمعوا لهذا القرآن ، فإنهم علموا أن القرآن كلام هو أكمل الكلام شريف معان وبلاغة تراكيب وفصاحة ألفاظ ، وأيقنوا أن كل من يسمعه وتداخل نفسه جزالة ألفاظه وسموّ أغراضه قضى له فهمه أنه حق اتباعه ، وقد أدركوا ذلك بأنفسهم ولكنهم غالبتهم محبة الدوام على سيادة قومهم فتمالئوا ودبروا تدبيرا لمنع الناس من استماعه ، وذلك خشية من أن ترقّ قلوبهم عند سماع القرآن فصرفوهم عن سماعه.
وهذا من شأن دعاة الضلال والباطل أن يكمّوا أفواه الناطقين بالحق والحجة ، بما يستطيعون من تخويف وتسويل ، وترهيب وترغيب ولا يدعوا الناس يتجادلون بالحجة ويتراجعون بالأدلة لأنهم يوقنون أن حجة خصومهم أنهض ، فهم يسترونها ويدافعونها لا بمثلها ولكن بأساليب من البهتان والتضليل ، فإذا أعيتهم الحيل ورأوا بوارق الحق تخفق خشوا أن يعمّ نورها الناس الذين فيهم بقية من خير ورشد عدلوا إلى لغو الكلام ونفخوا في أبواق اللغو والجعجعة لعلهم يغلبون بذلك على حجج الحق ويغمرون الكلام القول الصالح باللغو ، وكذلك شأن هؤلاء.
فقولهم : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) تحذيرا واستهزاء بالقرآن ، فاسم الإشارة مستعمل في التحقير كما فيما حكي عنهم (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) [الأنبياء : ٣٦].