بالمصدر ، أو بعامله المحذوف على التحقيق وهو مختار بن مالك وإن أباه ابن هشام. ويجوز أن يكون (فَتَعْساً لَهُمْ) مستعملا في الدعاء عليهم لقصد التحقير والتفظيع ، وذلك من استعمالات هذا المركب مثل سقيا له ورعيا له وتبّا له وويحا له وحينئذ يتعين في الآية فعل قول محذوف تقديره : فقال الله : تعسا لهم ، أو فيقال : تعسا لهم.
ودخلت الفاء على (فَتَعْساً) وهو خبر الموصول لمعاملة الموصول معاملة الشرط.
وقوله : (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) إشارة إلى ما تقدم في أول السورة من قوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) [محمد : ١] ، وتقدم القول على (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) هنالك.
والقول في قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا) إلخ في معناه ، وفي موقعه من الجملة التي قبله وفي نكتة تكريره كما تقدم في قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ) [محمد : ٣].
والإشارة إلى التعس وإضلال الأعمال المتقدم ذكرهما. والكراهية : البغض والعداوة.
و (ما أَنْزَلَ اللهُ) هو القرآن وما فيه من التوحيد والرسالة والبعث ، قال تعالى : (بُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) [الشورى : ١٣].
والباء في (بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا) للسببيّة. وإحباط الأعمال إبطالها : أي جعلها بطلا ، أي ضائعة لا نفع لهم منها ، والمراد بأعمالهم : الأعمال التي يرجون منها النفع في الدنيا لأنهم لم يكونوا يرجون نفعها في الآخرة إذ هم لا يؤمنون بالبعث وإنما كانوا يرجون من الأعمال الصالحة رضي الله ورضى الأصنام ليعيشوا في سعة رزق وسلامة وعافية وتسلم أولادهم وأنعامهم ، فالأعمال المحبطة بعض الأعمال المضللة ، وإحباطها هو عدم تحقق ما رجوه منها فهو أخص من إضلال أعمالهم كما علمته عند قوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) [محمد : ١] أول السورة. والمقصود من ذكر هذا الخاص بعد العام التنبيه على أنهم لم ينتفعوا بها لئلا يظن المؤمنون أنها قد تخفف عنهم من العذاب فقد كانوا يتساءلون عن ذلك ، كما في حديث عدي بن حاتم أنه سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أسلمت على ما سلف من خير» أي ولو لم يسلم لما كان له فيها خير.