و (أُخْرى) في سياق النفي يفيد العموم فيشمل نفي ما زعمه الوليد بن المغيرة من تحمل الرجل عنه عذاب الله.
وهذا مما كان في صحف إبراهيم ، ومنه ما حكى الله في قوله : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ* يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء : ٨٧ ـ ٨٩].
وحكي في التوراة عن إبراهيم أنه قال في شأن قوم لوط : «أفتهلك البارّ مع الآثم».
وأما نظيره في صحف موسى ففي التوراة (١) «لا يقتل الآباء عن الأولاد ولا يقتل الأولاد عن الآباء كل إنسان بخطيئته يقتل». وحكى الله عن موسى قوله : (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) [الأعراف : ١٥٥]. وعموم لفظ (وِزْرَ) يقتضي اطراد الحكم في أمور الدنيا وأمور الآخرة.
وأما قوله في التوراة (٢) أن الله قال : «أفتقد الأبناء بذنوب الآباء إلى الجيل الثالث» فذلك في ترتيب المسببات على الأسباب الدنيوية وهو تحذير.
وليس حمل المتسبب في وزر غيره حملا زائدا على وزره من قبيل تحمّل وزر الغير ، ولكنه من قبيل زيادة العقاب لأجل تضليل الغير ، قال تعالى : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [النحل : ٢٥]. وفي الحديث : «ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، ذلك أنه أول من سنّ القتل».
(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى (٣٩))
عطف على جملة (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [النجم : ٣٨] ، فيصح أن تكون عطفا على المجرور بالباء فتكون (أن) مخففة من الثقيلة ، ويصح أن تكون عطفا على (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) فتكون (أَنْ) تفسيرية ، وعلى كلا الاحتمالين تكون (أَنْ) تأكيدا لنظيرتها في المعطوف عليها.
وتعريف الإنسان تعريف الجنس ، ووقوعه في سياق النفي يفيد العموم ، والمعنى : لا يختص به إلا ما سعاه.
__________________
(١) سفر التثنية إصحاح ٢٤.
(٢) سفر الخروج إصحاح ٢٠.