برسلي التي سترسل لكم بعد موسى ، أي صدقتموهم فيما يجيئونكم به من الوحي ، مثل داود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى ومحمد عليهمالسلام ، وعزرتموهم : أي نصرتموهم وآزرتموهم على الحق ومنعتموهم من الأعداء ، وأقرضتم الله قرضا حسنا أي أنفقتم في سبيله وابتغاء مرضاته ، زيادة على ما أوجبه الله عليكم بالزكاة ، لئن فعلتم كل هذا ، لأكفرن عنكم سيئاتكم ، أي أستر ذنوبكم وأمحوها ولا أؤاخذكم بها ، ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار ، أي أدفع عنكم المحذور واحصل لكم المقصود.
فمن جحد منكم شيئا مما أمرته به ، وخالف هذا الميثاق بعد عقده وتوكيده ، فقد أخطأ الطريق الواضح المستقيم الذي هو الدين الذي شرعه الله تعالى لكم ، وعدل عن الهدى إلى الضلال.
ثم بيّن تعالى أنهم نقضوا هذا العهد ، فجازاهم على فعلهم فقال : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) أي فبسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم ، أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى ورحمة الله ، وأنزلنا عليهم المقت والغضب والسخط ، وجعلنا قلوبهم غليظة قاسية شديدة ، لا تقبل الحق ، ولا تتعظ بموعظة : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ ، وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) [البقرة ٢ / ٧].
(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) أي فسدت أفهامهم وساء تصرفهم في آيات الله ، وتأولوا كتابه على غير ما أنزله ، وحملوه على غير مراده ، وبدلوه وغيروه أي أن التحريف نوعان :
تحريف الألفاظ بالتقديم والتأخير والزيادة والنقص.
وتحريف المعاني بحمل الألفاظ على غير ما وضعت له.