وقد أخبر الله عن تحريفهم وتأويلاتهم في مواضع كثيرة منها : (وَيَقُولُونَ : سَمِعْنا وَعَصَيْنا ، وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ ، وَراعِنا ، لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) [النساء ٤ / ٤٦].
ومن المعروف تاريخيا وباعتراف اليهود والنصارى أنفسهم : أن التوراة التي أنزلت على موسى عليهالسلام وكتبها وأمر بحفظها وكانت نسخة واحدة ، قد فقدت باتفاق المؤرخين من اليهود والنصارى عند سبي البابليين لهم وإغارتهم عليهم ، ولم يكن عندهم غيرها ، ولم يحفظوها ، بسبب إحراق البابليين هيكلهم وتخريب عاصمتهم وسبي أحيائهم.
أما الأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى التي فيها أخبار عن موته وحياته ، وأنه لم يقم بعده أحد مثله ، فإنها كتبت بعده بزمن طويل ، وبعد بضعة قرون ، كتبها عزرا الكاهن بما بقي عند شيوخهم الذين بقوا بعد الأسر والقتل ، وبعد أن أذن لبني إسرائيل بالعودة إلى بلادهم. وكذلك الإنجيل كتب باعتراف النصارى بعد عيسى بحوالي قرن فأكثر.
(وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) أي وتركوا العمل به ، رغبة عنه ، ونسوا عهد الله الذي أخذه الأنبياء عليهم من الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم قال ابن عباس : نسوا الكتاب أي طائفة من أصل الكتاب ، وتركوا نصيبا مما أمروا به في كتابهم وهو الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وقال الحسن البصري : تركوا عرا دينهم ووظائف الله تعالى التي لا يقبل العمل إلا بها ، وقال غيره : تركوا العمل ، فصاروا إلى حال رديئة ، فلا قلوب سليمة ، ولا فطر مستقيمة ، ولا أعمال قويمة.
وهذا كله لتظل معجزة القرآن الدالة على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم باقية دائمة ، فقد أخبر عن ذلك بعد عدة قرون من موت موسى عليهالسلام.
(وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) يعني مكرهم وغدرهم وخيانتهم لك