(أَنْ تَقُولُوا : ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) أي لئلا تحتجوا وتقولوا ، يا أيها الذين بدلوا دينهم وغيروه : ما جاءنا من رسول يبشر بالخير وينذر من الشر ، فقد جاءكم بشير ونذير ، يبشر من أطاعه بالجنة وهو من آمن بالله وعمل بما أمر به وانتهى عما نهى عنه. وينذر من عصاه وخالف أمر الله بالنار ، يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم.
(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قال الطبري : معناه : إني قادر على عقاب من عصاني ، وثواب من أطاعني (١). ومن دلائل قدرة الله نصر نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم وإعلاء كلمته في الدنيا ، وعلو منزلته في الآخرة.
فقه الحياة أو الأحكام :
أثبتت الآية الأولى : (لَقَدْ كَفَرَ ...) كفر النصارى بقولهم : إن الله هو المسيح ابن مريم ، أي يدينون له. وأعلمهم الله أن المسيح لو كان إلها لقدر على دفع ما ينزل به أو بغيره ، وقد أمات أمه ، ولم يتمكن من دفع الموت عنها ، فلو أهلكه هو أيضا ، فمن يدفعه عن ذلك أو يرده؟! والمسيح وأمه مخلوقان محدودان محصوران ، وما أحاط به الحد والنهاية لا يصلح للألوهية ، وإنما الله هو مالك السموات والأرض وما بينهما من النوعين والصنفين ، يخلق ما يشاء كخلق عيسى من أم بلا أب آية لعباده ، والله قادر على كل شيء.
وأبطلت الآية الثانية : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى) دعاوى اليهود والنصارى معزتهم وحظوتهم عند الله ، وأنهم أبناء الله وأحباؤه ، فإن صح ما يزعمون فلم أنزل العذاب بهم في الدنيا من هزيمة وتخريب وتدمير ديارهم وتشريدهم ، وأعد لهم عذاب جهنم لكفرهم ومعاصيهم ، فليسوا إذن أبناء الله وأحباءه ؛ فإن الحبيب لا يعذب حبيبه ، وأنتم تقرّون بعذاب العصاة منكم ،
__________________
(١) تفسير الطبري : ٦ / ١٠٨