وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) [مريم ١٩ / ٩٣] وإنما قال : (وَما بَيْنَهُما) بعد ذكر السموات والأرض ، ولم يقل : بينهن ، إشارة إلى الصنفين والنوعين. وإليه المصير أي إلى الله تعالى المرجع والمآب ، فيحكم في عباده بما يشاء ، وهو العادل الذي لا يجور ، وهذا إنذار لهم بأنه سيعذبهم في الآخرة على كفرهم ودعاويهم الباطلة.
وقد كرر تعالى جملة : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) للرد على كل من النصارى الذين ادعوا ألوهية المسيح ، والله مالكه وقادر على إهلاكه ، وعلى اليهود والنصارى أيضا ، لبيان قدرته على المغفرة لمن يشاء وتعذيب من يشاء وإبطال دعاويهم الزلفى والحظوة عند الله ، فإن ميزان القربى من الله هو الإيمان والعمل الصالح ، لا الوراثة ولا الامتياز العنصري أو الجنسي ، فليس صحيحا أن اليهود شعب الله المختار ، وليس لشعب مزية على آخر.
ثم خاطب الله تعالى أهل الكتاب من اليهود والنصارى بأنه قد أرسل إليهم رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم خاتم النبيين الذي لا نبي بعده ولا رسول ، بل هو المصدق لما معهم والمعقب لجميعهم ، وهو الذي بشّرتم به في كتبكم ، وأخبركم به أنبياؤكم ، جاءكم يبين لكم على فترة من الرسل ، أي على انقطاع منهم وطول عهد بالوحي ، وبعد مدة متطاولة ما بين إرساله وعيسى بن مريم ، يبين لكم ما أنتم بحاجة إليه من أحكام دينكم ودنياكم من عقائد أفسدتها الوثنية ، وأخلاق أفسدها الإفراط في المادية ، وعبادات أفرغتم محتواها وصارت مجرد طقوس لا معنى لها ولا روح فيها ، ويبين لكم أيضا ما أشكل عليكم من أمر دينكم. ومن المعلوم أن بين آدم ونوح عشرة قرون ، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون ، وبين إبراهيم وموسى بن عمران عشرة قرون ، والقرن مائة سنة ، وبين موسى وعيسى ألف وسبعمائة سنة ، وبين ميلاد عيسى والنبي صلىاللهعليهوسلم خمسمائة وتسع وستون سنة.