وهذا دليل آخر على امتناعهم عن الدخول ، وعدم أحقيتهم بشيء من تراب فلسطين الطاهرة.
قال رجلان من النقباء الذين يخافون الله تعالى ـ وقد أنعم الله عليهما بالهداية والإيمان والطاعة والتوفيق لما يرضيه ، والثقة بعون الله تعالى ، والاعتماد على نصرة الله ، وهما الرجلان الصالحان من قوم موسى : يوشع بن نون ، وكالب بن يوفنا ـ قالا : ادخلوا عليهم باب المدينة ، فإذا فعلتم ذلك نصركم الله ، وأيدكم بجنده ، وكنتم الغالبين.
وإن توكلتم على الله واتبعتم أمره ووافقتم رسوله ، نصركم الله على أعدائكم وأيدكم ، ودخلتم البلد التي كتبها الله لكم ، والتوكل على الله صفة المؤمنين.
ومع هذا كرر اليهود الرفض وأصروا على العناد والتمرد ، ولم تنفعهم عظة الرجلين الصالحين شيئا ، وقالوا يا موسى : لن ندخلها أبدا ما داموا فيها ، وأبدا : تعليق للنفي المؤكد بالدهر المتطاول ، وقولهم : (ما دامُوا فِيها) بيان للأبد ، فاذهب أنت وربك الذي أمرك بالجهاد والخروج من مصر والإتيان إلى هنا ، فقاتلا الجبارين ، إنا هاهنا قاعدون عن الجهاد منتظرون.
وهذا قول في غاية التنكر لموسى عليهالسلام ، والبعد عن الأدب معه.
فقال موسى غاضبا حزينا باثا شكواه إلى الله وحسرته ، معتذرا من عصيان قومه : (رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) أي لا يطيعني أحد منهم ، فيمتثل أمر الله ، ويجيب إلى ما دعوت إليه إلا أنا وأخي هارون. وفي هذا إيماء إلى أنه لم يكن على ثقة من ثبات يوشع وكالب حال وجود العدد القليل ، فاقض وافصل بيني وبين هؤلاء الفاسقين الخارجين عن طاعتك ، فتحكم لنا بما نستحق ، وتحكم عليهم بما يستحقون.