وإغراق العدو ، وتظليل الغمام ، وإنزال المن والسلوى وغير ذلك من الأمور العظام.
ثم أمرهم موسى بدخول فلسطين ومجاهدة الأعداء فقال لهم : يا قوم الأرض المقدسة (الطاهرة) : أرض بيت المقدس ، أو فلسطين ، للسكنى لا للملك ؛ لأن بيت المقدس مقر الأنبياء ومسكن المؤمنين (الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) أي قسمها لكم وسماها ، فقد وعد الله إبراهيم بحق السكنى في تلك البلاد المقدسة ، لا أنها ملك لهم ؛ لأن هذا مخالف للواقع ، فاستنباط اليهود من ذلك الوعد أنه لا بد أن يعود لهم ذلك الملك ليس بصحيح ؛ لأن الله قال بعدئذ : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) قال ابن عباس : كانت هبة ، ثم حرمها عليهم بشؤمهم وعصيانهم. ولأن قوله : (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) مشروط بقيد الطاعة ، فلما لم يوجد الشرط لم يوجد المشروط.
(وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) أي لا تتراجعوا وتدبروا من خوف الجبابرة ، ولا تنكلوا عن الجهاد ، فتصبحوا خاسرين ثواب الدنيا والآخرة.
وقيل : المراد لا ترجعوا عن الدين الصحيح إلى الشك في نبوة موسى عليهالسلام ، وإلى الوثنية والفساد في الأرض.
قال النقباء الذين أرسلهم موسى عليهالسلام للتجسس في الأرض المقدسة : إن فيها قوما جبارين أي طوالا عتاة يجبرون الناس على ما أرادوا. وكانوا من الكنعانيين ، وإنا لن ندخلها أبدا حتى يخرجوا منها ، فإن خرجوا منها فإنا داخلون فيها. وإنما قالوا هذا على سبيل الاستبعاد كقوله تعالى : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) [الأعراف ٧ / ٤٠].