لأنه لم ينتفع بقتله ، وسخط عليه بسببه أبواه وإخوته (١) ، لذا كان من الذين سنوا سنة سيئة ، عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة ، روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضياللهعنه : «لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم كفل ـ نصيب ـ من دمها ؛ لأنه أول من سنّ القتل».
ومن نتائج هذا القتل ، وبسبب هذا الجرم الفظيع ، والفعل القبيح الذي فعله أحد الأخوين بالآخر ظلما وعدوانا تقرر تشريع القصاص ، وفرض حكمه على بني إسرائيل ؛ لأن التوراة أول كتاب حرّم فيه القتل ، وذلك الحكم : أن من قتل نفسا بغير نفس أي بغير سبب موجب للقصاص الذي شرعه الله تعالى بقوله : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها) ـ أي في التوراة ـ (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ..) الآية [المائدة ٥ / ٤٥] ، أو قتل بغير سبب فساد في الأرض بالإخلال بالأمن والطمأنينة ، كقطاع الطرق وعصابات اللصوص ، فاستحل القتل بلا سبب ولا جناية ، فكأنما قتل الناس جميعا ؛ لأنه لا فرق عند الله بين نفس ونفس ، والعدوان على نفس عدوان على المجتمع البشري كله ، لذا قال تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ، فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ، وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) [النساء ٤ / ٩٣].
ومن أحياها أي حرم قتلها ، وامتنع من القتل ، فكأنما أحيا الناس جميعا ، بتوفير الأمن والطمأنينة لهم ، وإزالة القلق والهلع من نفوسهم.
وهذا دليل على أن نفس الإنسان ليست ملكه ، وإنما هي ملك للمجتمع الذي يعيش فيه ، فمن اعتدى على نفس ولو بالانتحار ، استحق العذاب الشديد يوم القيامة ، ومن أحيا نفسا بأي سبب كان ، فكأنما أحيا الخلق كلهم.
ثم وجه الله تعالى تقريعا وتوبيخا لبني إسرائيل على ارتكابهم المحارم بعد
__________________
(١) تفسير الرازي : ١١ / ٢١٠