قال الرازي عن آية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) : هذه الآية آية شريفة مشتملة على أسرار روحانية ، ونحن نشير هاهنا إلى واحد منها ، وهو أن من يعبد الله تعالى فريقان : منهم من يعبد الله لا لغرض سوى الله ، ومنهم من يعبده لغرض آخر.
والمقام الأول : هو المقام الشريف العالي ، وإليه الإشارة بقوله :(وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) أي في سبيل عبوديته وطريق الإخلاص في معرفته وخدمته.
والمقام الثاني : دون الأول ، وإليه الإشارة بقوله : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) والفلاح : اسم جامع للخلاص عن المكروه والفوز بالمحبوب (١).
أما قوله تعالى : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) فقد استدل به بعض الناس على مشروعية الاستغاثة أو التوسل بالصالحين ، وجعلهم وسيلة بين الله تعالى وبين العباد.
وتحقيق القول في التوسل ما يأتي معتمدا على تفسير الألوسي (٢) :
أولا ـ التوسل بمعنى التقرب إلى الله بطاعته وفعل ما يرضيه ، وهو المراد بالآية : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) : هو أساس الدين وفرض الإسلام.
وعلى هذا يحمل توسل أهل الصخرة الثلاثة ، فإنهم توسلوا إلى الله عزوجل بصالح الأعمال ، أي طلبوا الفرج بصلاح أعمالهم ، ولا شك أن الأعمال الصالحة سبب لثواب الله تعالى لنا ، ولم يتوسلوا بذوات الأشخاص.
ثانيا ـ التوسل بالمخلوق والاستغاثة به بمعنى طلب الدعاء منه ، لا شك في
__________________
(١) تفسير الرازي : ١١ / ٢٢٠ ، طبعة دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
(٢) تفسير الألوسي : ٦ / ١٢٤ ـ ١٢٨