والنبي صلىاللهعليهوسلم حكم بينهم بشريعة موسى عليهالسلام ، ولكن كان ذلك قبل أن تنزل عليه الحدود. أما الآن وقد أكمل الله الدين وتقررت الشريعة ، فلا يجوز لأي محكّم أن يحكم بغير الأحكام الإسلامية.
ويلاحظ أن أقوال الكفار في الحدود وفي شهادتهم عليها غير مقبولة بالإجماع ، لكن فعل النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك على طريق إلزامهم ما التزموه وعملوا به.
والجمهور على رد شهادة الذمي ؛ لأنه ليس من أهلها ، فلا تقبل على مسلم ولا كافر ، وقد قبل شهادتهم جماعة من التابعين وغيرهم إذا لم يوجد مسلم.
فإن قيل : فقد حكم عليه الصلاة والسلام بشهادتهم ورجم الزانيين ، فالجواب : أنه إنما نفذ عليهم ما علم أنه حكم التوراة وألزمهم العمل به ، على نحو ما عملت به بنو إسرائيل ، إلزاما للحجة عليهم ، وإظهارا لتحريفهم وتغييرهم ، فكان منفذا لا حاكما.
وأوضحت الآية مثلما ذكر في آيات أخرى أن بعض اليهود لا كلهم يحرفون كلام التوراة على غير حقيقته ، أي يتأولونه على غير تأويله ، بعد أن فهموه وعرفوا مواضعه التي أرادها الله عزوجل ، وبيّن أحكامه ، مثل جعلهم بدل رجم المحصن جلد أربعين ، تغييرا لحكم الله عزوجل.
ودلت آية : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ) أي ضلالته في الدنيا وعقوبته في الآخرة ، على أن الضلال بمشيئة الله تعالى ، وأن الله تعالى غير مريد إسلام الكافر ، وأنه لم يطهر قلبه من الشك والشرك ، ولو فعل ذلك لآمن ، وأنه لم يرد الله أن يطهر قلوبهم من الطبع عليها والختم ، كما طهرت قلوب المؤمنين ثوابا لهم (١).
__________________
(١) تفسير الرازي : ١١ / ٢٣٣ ، تفسير القرطبي : ٦ / ١٨٢