وعقاب المحرّفين : خزي في الدنيا بفضيحتهم حين أنكروا الرجم ، وإذلالهم وعذاب عظيم جدا في الآخرة.
ودلت الآية : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) على كثرة سماع اليهود الكذب وكثرة أكلهم المال الحرام ، كالرشوة في الحكم وحلوان الكاهن (أي ما يعطى على الكهانة) ومهر البغي وغير ذلك مما ذكر.
والرشوة حرام في كل شيء ، وهي قد تكون في الحكم أو التقاضي ، وهي محرمة على الراشي والمرتشي ، قال عليه الصلاة والسلام : «لعن الله الراشي والمرتشي ، والرائش الذي يمشي بينهما» (١) لأن الحاكم حينئذ إن حكم له بما هو حقه ، كان فاسقا ؛ لقبوله الرشوة على أن يحكم له بما يريده ، وإن حكم بالباطل ، كان فاسقا ؛ لأخذه الرشوة وحكمه بالباطل.
وقد تكون الرشوة في غير الحكم أو القضاء ، مثل أن يرشو الحاكم ليدفع ظلمه عنه ، فهذه الرشوة محرمة على آخذها ، غير محرمة على معطيها ، كما قال الحسن : «لا بأس أن يدفع الرجل من ماله ما يصون به عرضه». وحينما كان ابن مسعود بالحبشة رشا دينارين وقال : «إنما الإثم على القابض ، دون الدافع».
وأرشدت الآية : (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ...) إلى التخيير في الحكم بين المعاهدين أهل الموادعة ، لا أهل الذمة ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم لما قدم المدينة وادع اليهود ، ولا يجب علينا الحكم بين الكفار إذا لم يكونوا أهل ذمة ، بل يجوز الحكم إن أردنا. فأما أهل الذمة فهل يجب علينا الحكم بينهم إذا ترافعوا إلينا؟.
قال المهدوي : أجمع العلماء على أن على الحاكم أن يحكم بين المسلم والذمي ، واختلفوا في الذميين.
__________________
(١) رواه أحمد في مسنده عن ثوبان ، وهو حديث صحيح.