فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآيات على أن اليهود حكّمت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فحكم عليهم بمقتضى ما في التوراة ، واستند في ذلك إلى قول ابن صوريا ، وأنه سمع شهادة اليهود وعمل بها ، وأن الإسلام ليس شرطا في الإحصان.
فإذا ترافع أهل الذمة إلى الإمام : فإن كان ما رفعوه ظلما كالقتل والعدوان والغصب ونحوها من مسائل الجنايات ، حكم بينهم ، ومنعهم منه بلا خلاف. وأما إذا لم يكن كذلك فالإمام مخير في الحكم بينهم وتركه عند مالك والشافعي ؛ لقوله تعالى : (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) وهو نص في التخيير. غير أن مالكا رأى أن الإعراض عنهم أولى ، فإن حكم حكم بينهم بحكم الإسلام. وقال الشافعي : لا يحكم بينهم في الحدود. وقال أبو حنيفة : يحكم بينهم على كل حال ؛ لقوله تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) [المائدة ٥ / ٤٩].
ودلت الآية على أن التحكيم جائز ، قال مالك : إذا حكّم رجل رجلا فحكمه ماض ، وإن رفع إلى قاض أمضاه ، إلا أن يكون جورا. وقال سحنون : يمضيه إن رآه صوابا. قال ابن العربي : وذلك في الأموال والحقوق التي تختص بالطالب ، فأما الحدود فلا يحكم فيها إلا السلطان. والضابط أن كل حق اختصم الخصمان به جاز التحكيم فيه ، ونفذ تحكيم المحكم به (١).
وقال الشافعي : التحكيم جائز ، وهو غير لازم ، وإنما هو فتوى ؛ لأنه لا يقدم آحاد الناس على الولاة والحكام ، ولا يأخذ آحاد الناس الولاية من أيديهم.
وظاهر الآية دل على أن المحكّم ينفذ حكمه فيما حكم فيه ، فإن اليهود حكموا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونفذ حكمه فيهم.
__________________
(١) أحكام القرآن : ٢ / ٦١٩