والإعراض عنهم وتركهم إلى رؤسائهم وعلمائهم. وهذا التخيير خاص بالمعاهدين الذين لا ذمة لهم دون أهل الذمة ، فأهل الذمة يجب الحكم بينهم إذا تحاكموا إلينا ؛ لأن من عقد معهم عقد الذمة التزموا أحكام الإسلام في الجرائم والمعاملات ، إلا في بيع الخمر والخنزير ، فإنهم يقرون عليه ، ولا يرجم الزناة المحصنون في رأي أبي حنيفة ومالك ؛ لأن الإسلام من شروط الرجم ، ويرجمون في رأي الشافعي وأحمد عملا بأمر النبي صلىاللهعليهوسلم رجم اليهوديين اللذين زنيا ، وأن الإسلام ليس شرطا في الإحصان.
وبهذا يوفق بين هذه الآية وآية (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) (الآية ٤٩ الآتية) وهو رأي الشافعية. وقيل : نسخت الآية الأولى بالثانية ، وهو قول ابن عباس والحسن البصري ومجاهد وعكرمة.
وإن تعرض عن الحكم بينهم فلن يلحقك شيء من ضررهم وعداوتهم ، فالله حافظك وعاصمك من الناس. والغرض من هذه الجملة بيان حال الأمرين اللذين خير فيهما عليه الصلاة والسلام ، وكانوا لا يتحاكمون إليه إلا لطلب الأسهل والأخف كالجلد بدل الرجم ، فإذا أعرض عنهم اغتاظوا وربما حاولوا أذاه ، فبين تعالى أنه لا تضره عداوتهم له.
وإن حكمت بينهم ، فاحكم بالعدل الذي أمرت به ، إن الله يحب العادلين ، والعدل شرعة القرآن والإسلام ، سواء بين المسلمين ، أو مع الأعداء.
وكيف يحكّمونك في قضية مثل الزانيين؟ وعندهم التوراة فيها شريعتهم وحكم الله ، ثم يتولون ويعرضون عن حكمك بعد ذلك ، وما أولئك بالمؤمنين أبدا ، أو المراد أنهم غير مؤمنين بكتابهم كما يدعون.
هذه الآية تعجب من تحكيمهم ، لعدولهم عن حكم كتابهم ، ورجوعهم إلى حكم من يعتقدونه مبطلا ، وإعراضهم عن حكمه بعد تحكيمه.