المناسبة :
بعد أن استقصى الله تعالى الكلام مع اليهود وفنّد حججهم ، وعدد قبائحهم ، شرع هنا في الكلام عن النصارى ، وبيّن فساد عقيدتهم في ادعاء ألوهية المسيح عليهالسلام ، وأنه ولد إلها ، أي أن الله تعالى حل في ذات عيسى واتحد بذات عيسى ، وهذا في الأصل قول اليعقوبية ، ثم ساد بين النصارى. ثم حكى تعالى قول المسيح ، ليقيم الحجة القاطعة على فساد قول أتباعه.
التفسير والبيان :
يقول تعالى حاكما بتكفير فرق النصارى من الملكية واليعقوبية والنّسطورية القدامى ، والكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت الجدد : تالله لقد كفر الذين ادّعوا أن الله هو المسيح ابن مريم ، وضلوا ضلالا بعيدا ، فقالوا : إن الله مركب من ثلاثة أصول (أو أقانيم) وهي الأب والابن والروح القدس ، فالله هو الأب ، والمسيح هو الابن ، وقد حل الله الأب في المسيح الابن واتحد به ، فكوّن روح القدس ، وكل واحد من هؤلاء عين الآخر ، وخلاصة قولهم : الله هو المسيح.
مع أن أول كلمة نطق بها المسيح وهو صغير في المهد هي : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) ثم دعا الناس إلى رسالته فقال : يا بني إسرائيل ، اعبدوا الله ربي وربكم ، أي توجهوا بالعبادة إلى الله تعالى وحده. وفي قوله هذا دليل قاطع على فساد قول النصارى ؛ لأنه لم يفرق بين نفسه وغيره في أن دلائل حدوثه وخلقه مثل غيره من الناس.
وأتبع دعوته بالتحذير من الشرك والوعيد عليه فقال : (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ ..) أي إن كل من يتخذ شريكا لله من ملك أو بشر أو كوكب أو صنم أو غيره ، فقد حرم الله عليه الجنة في علمه السابق القديم ، وفي شرعه لرسله ، أي حرمه دخولها ، ومنعه منها ، ومقره في الآخرة نار جهنم ، وليس للظالمين أنفسهم