باتخاذ الشركاء من نصير أو معين ينصرهم ، أي لا ينصرهم أحد فيما تقوّلوا على عيسى ولا يساعدهم عليه ، لاستحالته وبعده عن المعقول ، ولا ينصرهم أيضا ناصر في الآخرة من عذاب الله.
وكذلك كفر القائلون : إن الله خالق السموات والأرض وما بينهما ثالث آلهة ثلاثة ، وهو قول النصارى : المسيح ابن الله ، أو الله واحد من ثلاثة أقانيم : أب هو الله ، وابن هو المسيح ، وزوجة هي مريم ، أي إن كل فرق النصارى كفار ، سواء من قال : إن المسيح ثالث ثلاثة ، أو إن المسيح ابن الله ، أو إن الله هو المسيح ابن مريم. ومتأخرو النصارى يقولون بالتثليث ، أي إن الآلهة ثلاثة ، وبالتوحيد أي إن كل واحد من الأقانيم الثلاثة عين الآخر.
وردّ الله على الجميع بقوله : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) أي ما من إله في الوجود يستحق العبادة إلا إله واحد أحد لا شريك له ، إله جميع الكائنات وسائر الموجودات ، فهو المتصف بالوحدانية ، وليس فيه شيء من صفات البشر ، فلا تركيب في ذاته ولا في صفاته ، وليس هناك تعدد ذوات وأعيان ، ولا تعدد أنواع ، ولا تعدد أجزاء : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى ٤٢ / ١١]. وهذه الآية مثل قوله تعالى في آخر السورة : (وَإِذْ قالَ اللهُ : يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ ، قالَ : سُبْحانَكَ) [المائدة ٥ / ١١٦] يعني أن الآيتين لنفي تعدد الآلهة.
ثم توعدهم الله وأنذر على قولهم فقال : (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ ...) أي إن لم يتجنبوا ويتركوا ما يقولون من هذا الافتراء والكذب وادعاء التثليث ، ويعودوا إلى القول بالتوحيد ، ليصيبنهم عذاب شديد مؤلم في الآخرة بسبب كفرهم. وفي هذا دلالة على أن إصابة العذاب للذين كفروا خاصة لا الذين تابوا من عقيدة التثليث.