والقصد من إيراد قصص الأنبياء العظة والتثبيت والذكرى كما قال تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ، ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى ..) [يوسف ١٢ / ١١١] وقال سبحانه أيضا : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ، وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) [هود ١١ / ١٢٠].
والمشهور في عدد الأنبياء والمرسلين حديث أبي ذر الطويل ، وذلك فيما رواه ابن مردويه رحمهالله في تفسيره ، حيث قال أبو ذر : قلت : يا رسول الله ، كم الأنبياء؟ قال : «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا» قلت : يا رسول الله ، كم الرسل منهم؟ قال : «ثلثمائة وثلاثة عشر ، جمّ غفير» قلت : يا رسول الله ، من كان أولهم؟ قال : «آدم» قلت : يا رسول الله ، نبي مرسل؟ قال : نعم خلقه الله بيده ، ثم نفخ فيه من روحه ، ثم سواه قبلا» ثم قال : «يا أبا ذر ، أربعة سريانيون : آدم ، وشيث ، ونوح ، وأخنوخ وهو إدريس ، وهو أول من خط بالقلم ، وأربعة من العرب : هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر ، وأول نبي من بني إسرائيل : موسى ، وآخرهم عيسى ، وأول النبيين : آدم وآخرهم نبيك» ورواه أيضا أبو حاتم بن حبان البستي في كتابه (الأنواع والتقاسيم) وقد وسمه بالصحة (١).
ثم ذكر الله تعالى مزية لموسى عليهالسلام وهي أنه كليم الله خصه الله بهذه المزية ؛ لأن قومه هم المقصودون بالحديث : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) أي تكليما صحيحا حقيقيا بلا واسطة ، والتكليم للأنبياء يسمى وحيا ، كما قال تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الشورى ٤٢ / ٥١] والحكمة في الحجاب : توجيه الاهتمام والانتباه إلى شيء واحد ، والرسول الذي يوحي بإذن الله ما يشاء :
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ١ / ٥٨٥ وما بعدها.